ابرز ما تناولته صحف اليوم الاثنين ١٣ شباط ٢٠٢٣



 
كتبت النهار

في عرضٍ "خاطف" للتحولات الجوهرية العميقة في صميم الواقع السياسي والدستوري والنظام اللبناني التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل 18 عاماً، يتبين بسهولة الجواب على المخاوف المتعاظمة التي يبديها بطريرك الموارنة حاليا على إثر الفراغ الرئاسي على "هوية لبنان". لم يكن ذاك الاغتيال وما شكّله من اشتعال لشرارة حرب الاغتيالات تباعاً سوى نذيرِ زجّ للبنان في حرب تغيير هويته مذذاك، وليس الجاري الآن، بعد 18 عاما منذ 14 شباط 2005، سوى توغل متقدم للغاية في ترسيخ الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى التي وُضعت لازاحة الحريرية وتصفية القوى والقدرات السيادية اللبنانية قاطبة. إلى إحداث أخطر خلل في التوازن اللبناني والبدء بزعزعة الدستور - الطائف وإفقاد المحور الدولي - العربي - الغربي سنده الأكبر في لبنان الذي كان يرزح تحت عصف أبشع نظام طاغية في الشرق الاوسط، لا يحتاج أي مؤرخ في ظل تسلسل الاحداث والاغتيالات والتطورات والتورطات في حروب الإقليم والأزمات الداخلية وابرزها التسبب بالفراغ مرتين في رئاسة الجمهورية والفتن الطائفية المسلحة كفتنة 7 أيار في بيروت، بلوغاً الى انهيار لبنان انهياراً لم يعرف العالم مثيلا له منذ قرنين، الى عودة الاغتيالات مع لقمان سليم…

كل هذا وسواها من تداعيات الازمات الداخلية - الخارجية على لبنان المستباح لا تترك ادنى مجال بعد في وجوب إعادة النظر وإعادة تصويب مفهوم اغتيال رفيق الحريري رغم مرور كل هذه السنوات على مقولات جامدة لم تتطور. الحال ان اغتيال الدستور والنظام بشتى الوسائل الترهيبية الانقلابية قبل اكتمال تنفيذ اتفاق الطائف هو التوصيف الحيّ الواقعي الموضوعي لاغتيال الهوية المميزة التعددية الفريدة للبنان وليس أقل من ذلك.

لا يحتاج اللبنانيون بعد 18 عاما على اغتيال رفيق الحريري الى استعادة معنى وتوقيت اغتياله في ظل وقائع تلك الحقبة لجهة انخراطه في المعركة الكبرى للتحرر من وصاية النظام السوري الاسدي على لبنان، ولكنهم يحتاجون قطعاً الى التبصر بعمق اكبر في دلالات دراماتيكية قادت الرئيس سعد الحريري الحاضر راهناً للحظات في بيروت الى الانسحاب من السياسة قبل سنة تماما، أي بعد 17 عاما من اغتيال والده. أفرغ انسحاب الحريري الابن من السياسة آخر ثقل كبير لدى الطائفة التي لا توازن وطنيا وسياديا من دونها كما كان النفي والسجن أفرغا ثقل المسيحيين بعد الطائف وأجهزا على معالم أساسية في استرجاع السيادة اللبنانية. ليس من مجال للخطأ الجسيم هنا في قراءات القوى والنخب السيادية لمرحلة الاغتيالات ولا لمرحلة الانهيار التي أدت لاحقا مع ظروف أخرى طبعا الى خروج الرئيس سعد الحريري و"تيار المستقبل" من السياسة قبل الانتخابات. هذا الحاصل في مجمل مردوداته الدراماتيكية المخيفة في المصير الوطني راهنا، بما فيه الفراغ الرئاسي المفتوح ودمار الدولة التام، وانهيار كل مقومات الصمود الشعبي، والتفكك المتدحرج لقدرات البقاء أمام زعزعة الايمان بلبنان وطناً ودولة ومجتمعاً واقتصاداً ومستقبلاً، ليس اقل من اغتيال ناجز كامل لهوية لبنان. واذا كان من شكوك بعد لدى السذّج منا في ان لبنان ليس مستباحا لأخطر مؤامرة داخلية - إقليمية تسعى الى تتويج انتصاراتها على ارض محروقة بتبديل هوية لبنان التاريخي بهوية هجينة وحكم دمية، فان الـ 18 سنة منذ اغتيال رفيق الحريري كفيلة وحدها بإثبات الربط المُحكم بين الاغتيالات والانهيار والإجهاز على لبنان التاريخي.