كتبت النهار
تفيد معلومات المتابعين اللبنانيين لـ"حزب الله" داخلاً وخارجاً ومعطياتهم، أن أسباب عدم تخلّيه عن حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل كثيرة. أبرزها وأهمّها كونه الحليف المسيحي الوازن شعبياً له، لكنه "يلعب" كثيراً عليه وعلى غيره، علماً بأنه في النهاية يعود إليه صاغراً. ربما يقرّر باسيل يوماً أن يعود مسيحياً فقط أي أن يتبنّى سياسة معادية لـ"الحزب" مثل أطراف سياسيين مسيحيين آخرين، وأن يعتبر الساحة المسيحية ملعبه الوحيد وتالياً أن يتخلى وتيّاره الذي أسّسه الجنرال ميشال عون من المنفى الفرنسي عن التحالف مع "الحزب"، علماً بأن المؤسّس تمسّك به بعد عودته الى لبنان عام 2005 ثم انتخابه رئيساً للجمهورية فيه. هناك مرشحان للرئاسة لا ثالث لهما، زعيم "تيّار المردة" الزغرتاوي سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. "حزب الله" معروف موقفه المؤيّد للأول وقد عبّر عنه أكثر من مرة بأكثر من طريقة ولكن بالتدريج. ووقف باسيل ضد هذا المرشّح بجنون، ثم أخذ أو بالأحرى أعلن موقفاً معادياً وبجنون أيضاً ضد المرشح عون. في أي حال، الظرف الحالي لا يبدو مناسباً الآن لإنهاء الشغور الرئاسي. لذلك فإن "الحزب" لن يعلن مرشحه لرئاسة الجمهورية رسمياً الآن، ويستطيع باسيل أن يتابع ألاعيبه ومغامراته لتحقيق أهدافه المستحيلة مثل الرئاسة الأولى والقريبة من الاستحالة مثل رفع أميركا العقوبات التي فرضتها عليه، كما يستطيع فرنجية الاستمرار في ترشّحه للرئاسة المعروف والواضح جداً ولكن من دون إعلانه رسمياً.
هل إنهاء الشغور الرئاسي قريب أم يحتاج الى أشهر وربما أكثر وذلك حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، إذ انتظر "حزب الله" سنتين ونصف سنة كي "تنضج" مواقف الناخبين اللبنانيين الرئاسيين وغالبيتهم كانت معادية له. الطموحات كفيلة دائماً بإحلال الوفاق ولو الى حين. وهذا ما حصل مثلاً إذ "انفخت الدف وتفرّق عشاق" الرئيس عون سواء من المسيحيين الذين عادوه وعاداهم سنوات أو من المسلمين السنّة، علماً بأن الشريك الثاني في "الثنائية الشيعية" وغالبية الدروز لم يدخلوا في تلك العملية المخالفة لقوانين الطبيعة. وكانوا محقّين في موقفهم إذ لم يصمد مع الرئيس عون إلا "حزب الله" ومسيحيوه وسنّة المستقبل. لكن هذه المرّة، يكرّر المتابعون اللبنانيون أنفسهم لحركة "حزب الله" داخلاً وخارجاً، أن لا انتخابات رئاسية قريبة، إذ إن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع لن يغيّر موقفه المعادي لباسيل والمواجه لـ"حزب الله" والمتمسك بإيصال رئيس للجمهورية يعارض بقوة مشروع الأخير سواء في لبنان أو في المنطقة. كما أن رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لن يغيّر مواقفه وهي رفض مرشّح حليفه الأوحد أي "الحزب" أو مرشّحيْه، ولن يغيّر موقفه هذا رغم فشل التجربة الرئاسية لعمّه الرئيس عون، وكان "فشلاً بجلاجل" كما يقول إخواننا المصريون. لكن باسيل حمى نفسه حتى الآن بموقفه المغطّي دائماً "حزب الله" وسياساته وعدم تآمره عليه رغم أن حركته السياسية في الداخل والخارجيْن الإقليمي والدولي أوحت أحياناً كثيرة أنه اقترب كثيراً من خط الانتقال من ضفة "الحزب" وحليفته إيران الإسلامية الى ضفة أميركا وعربها. فهل يرتكب باسيل الخطأ القاتل بعبور الخط المشار إليه؟
يعتقد "حزب الله" وجهات سياسية لبنانية أخرى أن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ليس قريباً رغم شغور سدة الرئاسة. ويجيب المتابعون اللبنانيون أنفسهم لحركته داخلاً وخارجاً بالقول: "الأجواء العربية والإقليمية لا تشجّع على الانتخابات. فأولويات الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية الأولى بل الوحيدة في الشرق الأوسط إسرائيل ومعها أوروبا هي الغاز والنفط وغزو روسيا لأوكرانيا ومستقبل "الغازية" جرّاء هذه العملية وبعد انتهائها إذا انتهت قريباً فضلاً عن الصين. وهي تركت فرنسا بل رئيسها ماكرون يسعى الى توفير ظروف إقفال مريح للاستحقاق الرئاسي اللبناني بانتخاب رئيس جديد يقبله الأفرقاء المتصارعون عليه في الداخل. لكنه ضعيف وربما لن ينجح في تنفيذ هذا الدور رغم وجود بلاده في معسكر الدول الكبرى، ذلك أن الدولة العظمى أميركا غير "فاضية" لتوفير كل ما يحتاج إليه من دعم للنجاح ومشغولة بأمور أخرى. وهو لا يمتلك القوة الكافية لفرض مشروعه للحل الرئاسي اللبناني وللحل الوطني في صورة عامة. لكن ما يشفع به هو صدق رغبته في المساعدة وتشغيله قسماً كبيراً من فريق عمله على هذا الملف. لكنه لم يعرف حتى الآن أن الأفرقاء اللبنانيين غير جدّيين ولم يقرروا بعد ماذا يريدون لمنع وصول دولتهم ووطنهم الى الانهيار التام، إذ إن ما يفرّقهم أكبر وأخطر بكثير من الذي يوحّدهم، وقدرة أيّ منهم على حسم الصراع غير موجودة أو متعذّرة والحلّ الوحيد لمعاناة اللبنانيين مع الأسف قد يحتاج الى تلزيم جهة أخرى مرة ثانية تستطيع فرض رئيس أيّ رئيس، وتسوية أيّ تسوية عليهم. وحصول ذلك رغم صعوبته يعني قطعاً أن ما فُرض عليهم بقوة الخارج لن يدوم وأن اللبنانيين سيعودون الى الانقسام وربما الاقتتال".
كيف يتحرّك ماكرون رئيس فرنسا لبنانياً؟ اللبنانيون يجعلونه "يتفركش بحالو" يجيب المتابعون أنفسهم لحركة "حزب الله" داخلاً وخارجاً. ويضيفون: "يعرف ماكرون أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي ناخب رئيسي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني ومعها ناخب رئيسي مهم بل كبير جداً هو الولايات المتحدة. لهذا السبب تتحرّك سفيرته في بيروت آن غريو بكثافة أي بالعامية "رايحة جاية" عند "حزب الله". لكنه في الوقت نفسه ينتقد طهران ويهاجمها أحياناً لأسباب عدة كانت آخرها المسيّرات الحربية التي زوّدت بها روسيا قبل أشهر، والتي مكّنتها من زيادة الدمار والخراب والقتل في أوكرانيا، وربما تتبعها الصواريخ الباليستية إن لم تكن تبعتها بعد. هذا فضلاً عن قمعها للحريات في بلادها في رأي ماكرون أكثر من مرة بدأت آخرها قبل أشهر قليلة بمقتل الشابة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق" المكلّفة المحافظة على اللباس أو الزيّ الإسلامي، ولا تزال مستمرة رغم إظهار النظام أخيراً ميلاً الى البحث في حلول لا يمكن الحكم منذ الآن إن كانت جدية وثابتة أو فقط لتمرير الوقت ووقف التحرّك الشعبي. وإن كان الوضع على النحو المشروح أعلاه فكيف سينجح ماكرون مع "حزب الله" في إنقاذ رئاسة جمهورية لبنان من الفراغ؟ علماً بأن أميركا ليست مهتمة كثيراً الآن بهذه الرئاسة، علماً أيضاً بأن أولويات إيران أكثر أهمية وخطورة من لبنان في هذه المرحلة. طبعاً لا تريد واشنطن إسقاط النظام الإيراني وقد لا تستطيع ذلك وتعرف أن التظاهرات المستمرة والمتصاعدة منذ أشهر قليلة لن تنجح في ذلك، وإيران تعرف ذلك أيضاً، والاثنتان لم تتخليا عن إحياء "الاتفاق النووي" شبه المُنجز لكن المجمّد حالياً من جرّاء الظروف السائدة في المنطقة".