كتبت النهار
منذ الانفجار الأكبر والأخطر في العلاقة بين طرفي "تفاهم مار مخايل" في الخامس من كانون الأول الحالي، تاريخ الجلسة الأولى وربما الأخيرة لمجلس الوزراء بعد نهاية العهد العوني، وهذا التطوّر يملأ الحيّز الأكبر من المشهد السياسي والإعلامي فضلاً عن الحلقات الحزبية لكل من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله". ولعل الموضوعية تقضي بتبرير هذا الفائض من التركيز على حدث يتسم بالأهمية المحورية لكونه يرقى الى انهيار علاقة بل شراكة سياسية حزبية أنجبت سلطة تحكمت بالبلاد أقله لمدة كانت كافية لجعل طرفيها يحكمان السيطرة على مقاليد القرارات الاستراتيجية التي لم تواكب عهد الرئيس السابق ميشال عون وحده بل قبله معظم العهد الذي سبقه مروراً بالتسبّب بفراغ السنتين ونصف السنة الذي سبق انتخاب عون وتسبّب به.
مع ذلك ترانا أمام انزلاقات خطيرة في تعامل الوسطين السياسي والإعلامي بإفراط مع الاهتزاز الحاصل من منطلق أن انهيار الشراكة بين "العونيين" و"الحزب" هو نتيجة لما أدّت إليه النقطة التي طفحت بها كأس التباينات المتراكمة بينهما عند انعقاد جلسة الوزراء والتي كشفت عمق الاعتمال العوني وطبعاً جوهره اعتمال شخصي أساسي يتصل بصدمة جبران باسيل بإزاء انهيار أحلامه الرئاسية فحسب، وإهمال الأخطر تماماً في مجريات هذا التطوّر. يخدم الضرب المتواصل على وتر يتصل بالتباينات المتفجرة بين "حزب الله" والتيار العوني أدبيات الفريقين وأهدافهما "المشتركة" (رغم كل الاحتقان) في حرف حقيقة يراد لها الاختفاء تماماً أو التجاهل المطلق هي أن شراكة التسبب بانهيار البلاد هي تبعة كاملة تكاد تكون الأكبر إطلاقاً من تبعات أطراف الطبقة السياسية الآخرين مجتمعين. ولم تعد خافية مجاراة الكثير من الأفرقاء السياسيين وأيضاً جهات إعلامية للحزب والتيار في "تسهيل" مسلك كلّ منهما في سياسة الإنكار التي تتصل بشراكة السلطة والقرار خلال العهد السابق خصوصاً بما يحمّلهما موضوعياً الحيّز الأكبر من تبعة عدم لجم اندفاعات الفساد والسياسات التي يصم بها العهد السابق شركاءه فيما كان ولا يزال وأنصاره يبرّرون تبعاته المباشرة في الانهيار بمقولة "ما خلونا"، وفيما الحزب يغسل يديه من التبعات القاتلة لواقع تحكّمه الأحادي المسلح ذي الارتباط الإقليمي بمصير الدولة كلاً.
إن التوغل الى الأسباب العميقة لمعالم الانهيار المتقدم الأكثر خطورة في علاقة هذين الفريقين يوجب النظر الى ما وراء المرآة لا الى ما تعكسه فقط من وجوه ووقائع مباشرة، بما يتطابق مع نظرية أن ليس كل ما تراه حقيقياً. هذا التفنّن في إبراز الدوافع التي يوردها الطرفان كل من جانبه وبما تمليه مصلحة مخاطبته لقواعده ومحاولتهما "المشتركة" صنع إطار يلائم كلاً منهما لحصر حدث الاهتزاز الذي اقترب من سقوط "التفاهم" سقوطاً جاداً وكاملاً تقريباً، لا يحجب في نهاية المطاف حقيقة يجهد كل منهما في حجبها وإنكارها وإبعادها عن المسرح المباشر. إن طرفي "التفاهم" كأنهما في "حلهما وترحالهما" يحترفان لعبة قاتلة دائمة هي لعبة التعطيل المؤسساتي. فحين كانا في عز "شهر العسل" عطلا البلاد وأقاما مخيّمات الاعتصامات المفتوحة في وسط بيروت، ثم عطلا الانتخاب الرئاسي أطول فترة في تاريخ لبنان (على أمل ألا تتجاوزها التجربة الحالية). وحين انفجر "زواجهما" بعد اهترائه استعادا آفة إدمان التعطيل. وبين انهيار وتعطيل يراد للناس أن يذرفوا الآن دموع التأسّي لأن "التوريث" لم يمر على ركام أفضالهما!