أبرز ما تناولته صحف اليوم السبت ١٠ كانون الاول ٢٠٢٢


كتبت النهار

سواء تسرّع "التيار الوطني الحر" بفتح خطوط تماس سياسية مع شريكه في تفاهم مار مخايل أي "حزب الله" أو أن هذا الشريك أخطأ التقدير والحساب من خلال مشاركته في جلسة حكومة تصريف الأعمال وهو يعي سلفاً مدى ردة فعل هذا الشريك الذي يعتبر الأمر تحدياً له وليّاً لذراعه، فإن المسألة أوشكت أن تصير في المشهد الخلفي ليضحي السؤال ماذا بعد؟ واستطراداً، هل استنفد "حلف الضرورة والمتضرّرين" الذي انعقدت رايته في شباط عام 2006 غرضه وغايته وآن زمن أفوله وانطواء صفحته؟ أم هو ما انفك قابلاً للترميم حاله منذ أن أبصر النور وصالحاً للخدمة خصوصاً أن ثمة من سارع الى نعيه قبيل ساعات مضت؟

يحرص "حزب الله" دوماً على الإيحاء بالبرهان بأنه على قدر عالٍ من الأخلاقية والنبل في الممارسة السياسية اليومية وخصوصاً لجهة العلاقة مع الحلفاء والأصدقاء والمعاهدين. فحوى هذا التوجّه ورد كما هو معلوم مراراً على لسان سيد الحزب السيد حسن نصرالله في إطلالات متعددة من خلال الإعلان أن الحزب في صدد إرساء اسس مدرسة متميّزة وغير مسبوقة في التعاطي والفعل السياسي قاعدتها الأخلاقية: الوفاء وعدم الحنث بوعد أعطي أو بكلام صدر عنه.

وبناءً على ذلك لم يكن بمستطاع الحزب أن يضبط على جاري عادته أعصابه ويعضّ على جراحاته ويستوعب تالياً انتقادات حليفه التي تبلغ أحياناً الاتهامات عندما بادر رئيس هذا الحليف جبران باسيل الى التشكيك الصريح في أخلاقيات الحزب وسيده لحظة اتهمه بـ"الغدر والنكث بالوعد " فبادر الحزب الى إصدار بيان الرد المدوّي وسارعت وسائل إعلام الحزب المرئيّة (المنار) والمسموعة (النور) الى قطع برامجها المقرّرة لتبث قرابة السابعة صباح الخميس الماضي بيان الرد، ما ذكّر البعض ببيانات الرقم واحد زمن الانقلابات العسكرية.
حسب ما رشح عن مراكز القرار في الحزب، إن الرد بهذه الصيغة واللهجة وبهذا الشكل من البثّ والتعميم إنما أتى بناءً على اعتبارين:

الأول احتواء عاجل لغضب تملّك قاعدة الحزب العريضة على ما ورد في المؤتمر الصحافي لباسيل من ميرنا الشالوحي، وهو غضب بلغ ذروته بعيد ساعات من المؤتمر المذكور إثر تعميم هذا الكلام في وسائل التواصل الاجتماعي.

الثاني أن الحزب شاء أن يرسم جدّياً ونهائياً معالم تعاطٍ جديد مع خطابات "التيار" المنطوية على اتهامات وحملات مسدّدة في اتجاه الحزب خصوصاً أنه اعتبر أن هجمات هذا الحليف قد تجاوزت الحدود المألوفة.

وبمعنى آخر، كان رد الحزب بمثابة رسالة بيّنة جوهرها أن ما بعد البيان غير ما قبله ونحن منفتحون على الإيضاح والشرح.

وبذا، وعلى طريقته الخاصّة، يكون الحزب وفق مقربين منه قد خرق قراراً سابقاً بالصمت وعدم الانزلاق الى مربع مساجلة مع التيار ليضع التيار البرتقالي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الذهاب بهدوء نحو نسج خيوط تفاهم جديد مبنيّ على قواعد وأسس جديدة يكون موازياً للتفاهم القديم (أي بروتوكول إضافي) أو أن يتحلل (التيار) ويخرج من موجبات التفاهم الذي انعقد في قاعة كنيسة مار مخايل في الشياح في أوائل شهر شباط عام 2006.

وإن كان الحزب يسمح لنفسه بانتظار رد الحليف ليستشرف حقيقة ما في جعبة التيار لحظة قرر رئيسه باسيل الخروج على الإعلام غداة جلسة الحكومة ليطلق هذا السيل العرم من الاتهامات بحق أعز ما يعتز به الحزب وهو أخلاقيات التعاطي السياسي الرفيعة، فإن الواضح أن الحزب بات يدير مستجدات المسرح السياسي في مرحلة الشغور الرئاسي بشروط ومواصفات جديدة تعتمد القواعد الآتية:

- إن الحزب يعي تماماً أنه بات أمام حليف بمواصفات وتوجّهات وحسابات مختلفة عن ذي قبل، حليف بعث برسائل تشي برغبته في قلب الأدوار لكي يثبت لمن يعنيهم الأمر أنه "لم يعد حالة مستتتبعة" للحزب ولم يعد "جندياً" ينفّذ أجندته بل إنه يريد أن يثبت أيضاً أنه لم يعد للحزب في عنقه بيعة وجميل ويريد ترسيخ معادلة فحواها: لقد تساوينا وتعادلنا وتصافينا "فلم يعد لنا عندكم شيء تماماً كما لم يعد لكم عندنا شىء لكي نكون مجبرين على السير معكم في خيار فرنجية رئيساً مقبلاً".

وبناءً على ذلك يرصد الحزب في أداء باسيل الأخير نوعاً من الرغبة المضمرة في بناء "ميني تفاهم" مختلف ينهي مرحلة عنوانها العريض: أعطيتمونا الرئاسة الأولى ذات عام فقابلناها بإعطائكم الأمن والأمان. فدعونا نفكّر وإيّاكم كيف نسدل الستارة على هاتيك المرحلة ونبدأ معاً رحلة شراكة جديدة مبتدأها التفكير بمرشح ثالث (غير باسيل وغير فرنجية) نحمل اسمه باسم المحور كله ونمضي به الى مجلس النواب.

ربما ذلك صار مكشوفاً، لكن الذي ما زال يكتنفه الغموض والالتباس هو موقف الحزب وكيفية التعامل مع هذا العرض المفاجئ.

الحزب أبلغ في الساعات الماضية من يعنيهم الأمر أنه ما انفك يرى في التيار البرتقالي رغم الرعونة التي وسمت مواقف رئيسه أخيراً حليفاً وشريكاً، وأنه سيعمل الى أقصى الحدود للمحافظة على هذا الحلف وصون هذه الشراكة التي يقر الحزب بأن لها في وجدانه مكانة وتقديراً. ولكن تقديراته وحساباته المتصلة برؤيته للمرحلة المقبلة تدفعه الى تبنّي استنتاجات تقوم على الثوابت الآتية:

- إن المرشح الذي يزكّيه الحزب للرئاسة الاولى ويطمئن إليه تماماً هو سليمان فرنجية الذي انطلق في معركته التي يعرف (فرنجية) أنها شاقة وأنها تحتاج الى جهد استثنائي وقدرة على الصمود (يقول إنه اكتسب النفس الطويل من رحلات الصيد التي يمارسها هواية مفضّلة).

وحسب معلومات توفرت أخيراً التقى فرنجية في بنشعي قبيل أيام وفداً من نحو 25 شخصية وفاعلية مارونية من البقاع الغربي وزحلة والمتن وجبيل وكسروان بينهم وزراء ونواب سابقون وناشطون كانوا الى الأمس القريب متعاطفين مع التيار الوطني الحر وحزب الكتائب وبعضهم سار في ركاب قوى 14 آذار، لكنهم قرروا أخيراً الانزياح نحو خيار آخر وتجربة جديدة. ولقد تحدث فرنجية أمامهم بصفته مرشّحاً ثابتاً ومتقدّماً مركّزاً على مسألة استعادة "الدور والوظيفة للكيان".

- إن الحزب بات أكثر تفاؤلاً من السابق بانفتاح آفاق خارجية وداخلية كانت مسدودة الى الأمس القريب أمام إمكان وصول فرنجية الى قصر بعبدا مستفيداً بطبيعة الحال من تجربة عام 2016.

وثمة ورقة قوة أخرى بات الحزب يدرجها في لائحة حساباته الإيجابية وهي أن الخصوم والمناهضين له باتوا يتخبطون في البحث عن خيارات تدعم أوراق القوة عندهم.
وبالعموم لا يجد الحزب نفسه متضرراً من "انتفاضة" الحليف في وجهه فهي استنفاد لخياراته القصوى، فإذا ما عاد الى حظيرة التفاهم من دون أن يفرض شروطه الجدّية فهي ستكون بمثابة عودة الابن الضال.