ابرز ما تناولته صحف اليوم الجمعة ٣٠ كانون الاول ٢٠٢٢

 
كتبت النهار

يتساءل لبنانيون كثيرون عن أسباب الاستقواء والاستعلاء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وابنها اللبناني "حزب الله"، الذي بدأت تُظهره جهات عدّة مسيحية وأخرى مسلمة سنّية في الأشهر الأخيرة. الجواب الذي يقدّمه عن هذا التساؤل متابعون لبنانيون من قرب للأوضاع في بلادهم كما للأوضاع داخل الجمهورية المذكورة يفيد أن السبب الأبرز اقتناع هؤلاء بأن إيران في وضع صعب وأن صعوبته قد تقوى وتشتد، الأمر الذي قد يجعلها تواجه مصيرين. الأول سقوط النظام الإسلامي فيها على صعوبته الى درجة التعذّر، والثاني دخول إيران في حال من الفوضى الداخلية وربما التقاتل من جرّاء الضرر المهم الذي ألحقته الاحتجاجات الشعبية بالنظام، والذي قد تشارك فيه فئات اثنية تعتبر نفسها مهمّشة داخل البلاد مثل الأكراد والبلوش ومعها فئات إسلامية وشبابية في معظمها تشعر بالخيبة بعد ثماني سنوات حرب مع عراق صدام حسين الذي فشل في اجتياحها عام 1980، وبعد أكثر من عقود ثلاثة أمضاها النظام في مواجهة العالم وفي إخافة المحيط العربي والإسلامي لبلاده ومعه إسرائيل. من شأن ذلك في حال حصوله دفع الولايات المتحدة الى التدخل ولكن على نحو غير مباشر كما فعلت في أكثر من دولة عالمثالثية في القرن الماضي، ودفع إسرائيل الى التدخل كما دفع المملكة العربية السعودية الى الأمر نفسه من جرّاء ما تعتبره خوفاً أُثاره فيها مبدأ تصدير الثورة الذي انتهجته إيران الإسلامية منذ تأسّست ولاحقاً أي قبل نحو سبع سنوات تدخلها العسكري في اليمن الى جانب الحوثيين، وعجز المملكة عن حسمه عسكرياً لمصلحتها.
 
هل هذه التوقعات الفئوية اللبنانية في محلّها؟ يجيب متابعون للجمهورية الإسلامية الإيرانية من لبنان، وفيه أن المعلومات التي في حوزتهم تشير لا بل تؤكد أن النظام الحاكم فيها ليس في خطر رغم اقتناع الجهات المسيحية والسنّية أو بعضها فيه بأن أميركا تخلّت عن إحياء الاتفاق النووي معها وستتابع إضعافها. وهذا اقتناع قد يكون في محله لكنه ينطوي على مبالغة كبيرة. ذلك أن النظام الإسلامي لن يستسلم. فضلاً عن أن رهان البعض من الأميركيين كما من سائر أعداء إيران في الإقليم وفي العالم الأوسع على قيام المؤسسات العسكرية والأمنية على تنوّعها أو بعضها على الأقل بتحرّك يُعطي أملاً للمحتجّين في إيران ويوقف متابعة تنفيذ النظام المتشدّد سياسة القمع، فضلاً عن أن رهاناً كهذا لا تبدو حظوظه قوية. فـ"الحرس الثوري" أرسلته القيادة الدينية الأعلى الى كردستان الإيرانية لمواجة خطر اشتراك أبنائها في الاحتجاجات الشعبية ولمنع انتقالهم الى الثورة الشاملة على النظام. والجيش الإيراني أرسلته القيادة نفسها الى بلوشستان. و"الباسيج" يعمل داخل العاصمة وفي المحافظات ولم تظهر منه ومن "الجيشين" المذكورين إشارات الى تذمّر أو انزعاج أو إشفاق على المحتجين الذين يتعرّضون للقمع يومياً. علماً بأن "الرهان على العسكر" كان يمكن أن يصحّ لو كان الحاج قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" لم يُقتل على يد أميركا ترامب بتواطؤ أفراد في دمشق وبغداد وإسرائيل. السبب أنه كان مهندس الانتصارات المتنوّعة التي حقّقتها بلاده في المنطقة الأمر الذي حوّله الشخصية الأولى فيها والأكثر نفوذاً ومهابةً واحتراماً. وقد حوّله ذلك رمزاً قوياً لإيران القومية ورمزاً إسلامياً لها. لكن حتى هذا الرهان قد يكون أمنياتياً في رأي المتابعين أنفسهم لأن "الإسلامية والإيرانية" لا تنفصلان علماً بأن آراءه كانت ستُحترم على الأرجح لو أعطاها وعبّر عنها من القيادة الدينية الأعلى. لكنها ما كان يمكن أن تكون ضرباً للنظام. أما الآن فإن خلف سليماني يقوم بمهماته بإشراف المرشد والولي الفقيه، لكنّ هناك إجماعاً على أنه ليس سليماني.

ما وضع السلطة في إيران اليوم؟ يجيب متابعون لوضعها من دول مجاورة لها بأن هناك ثلاثة أفرقاء داخل الحكم فيها أو النظام وكلهم من توجّه واحد. الفريق الأول هو الولي الفقيه والمرشد آية الله السيد علي خامنئي وموقفه من الاحتجاجات الشعبية والشبابية البادئة منذ أكثر من مئة يوم بالغ التشدّد. وهو مع ممارسة قمعٍ شديد لها لأن تركها "تجرجر" كما يُقال ستكون آثاره أكثر سلبية على النظام من القضاء عليها بالقوة وبسرعة. الفريق الثاني يمثّله السيد مجتبى نجل المرشد وآخرون في محيطه. وهو متشدّد مثل فريق والده ويعتبر أن الإعدام هو الدواء الناجع للتمرّد والاحتجاج ولاحقاً للثورة إذا بدأت. أما الفريق الثالث فيمثله "الحرس الثوري" وهو مثل الفريقين المذكورين مع القمع الشديد للاجتجاجات. في هذا المجال يرجّح المتابعون وجود ميل عند بعض المتشدّدين الى تخلّي القضاء الإسلامي عن عقوبة الإعدام ولكن لمصلحة عقوبة أخرى تحفظ حياة المعاقب لكنها تجعله معاقاً حتى مماته ومعذباً وعاجزاً حتى عن العمل وعن أي شيء آخر. وهي قطع اليد من جهة وقطع الرجل ولكن من الجهة الأخرى. يرجّح هؤلاء أن يكون في إيران اليوم الى جانب الخطين الإسلاميين "المعترف" بهما "الإصلاحي المعتدل" و"المحافظ المتشدد جداً" خط ثالث يضم فريقين متناقضين. الأول يدعو الى "الإسلامية الإيرانية" والى نشرها في العالم الإسلامي. والثاني يدعو الى "إيران المسلمة" أي يشدّد بذلك على استمرار الدولة المسلمة في إيران ويعترض أو يعارض إيران الإسلامية ذات المفهوم التوسّعي. طبعاً لا يمكن التكهّن منذ الآن بنجاح أي من الخطوط الثلاثة. فالظروف صعبة والتحديات تحيط بالإصلاحيين والمحافظين جداً كما بدعاة دولة إيران المسلمة لا دولة إيران الإسلامية. لا يمكن التكهن في الوقت الراهن بالتطورات المستقبلية لأن هناك نظريات عدة في هذا الشأن، ولأن المروجين لكلٍ منها يعطون انطباعاً أن النظرية التي يؤمنون بها ستفوز. ومنها ما يرجّح انجلاء الوضع المضطرب في إيران منذ مئة يوم أو أكثر خلال ثلاثة أشهر. وربما يكون الانجلاء في مصلحة غير المحافظين. والأرجح أن يكون ذلك تعبيراً عن تمنٍّ لا عن حقيقة صلبة.

في هذا المجال يعتقد إسلاميون أو بالأحرى مسلمون يؤمنون بالدولة المسلمة لا بالدولة الإسلامية أن الحل الأفضل لمعاناة الشعب الإيراني والنظام الإيراني والمنطقة التي تتدخل فيها إيران الإسلامية بقوة كما للعالم لا يمكن أن يكون إلا واحداً من اثنين، الأول إطلاق الحرية الفعلية داخل النظام الإسلامي وترك المجال للإيرانيين كي يختاروا بحرية بين إصلاحيي النظام ومعتدليه ومحافظيه البالغي التشدّد، وأن يتخلّى المحافظون عن استعمال كل الأساليب لإضعاف المعتدلين وللسيطرة على المجالس الدستورية الخمسة. بذلك تُترك الحرية للناس كي يقرّروا أيّ نهج يريدون. وقد عبّر هؤلاء أكثر من مرة عن تفضيلهم الإصلاحيين الإسلاميين المعتدلين بانتخاب رئيس من صفوفهم مرات عدة ونواب من صفوفهم مرات عدة أيضاً. لكن تبين أخيراً وبالممارسة أن المحافظين خافوا تحوّل نظامهم الإسلامي الى نظام إسلامي ديموقراطي بتبني نظام الحزبين. إلا أن المحافظين قرروا على ما يبدو ضرب الثنائية لأنها مفتاح الديموقراطية وإن إسلامية أو مسلمة. وهذه ليست الضربة الأولى بل الثانية، إذ إن الأولى حصلت بعد انتخابات الرئاسة عام 2009 التي تنافس فيها إسلاميون محافظون وإسلاميون إصلاحيون معتدلون. يومها جرى بحث في اعتماد نظام الحزبين الإسلامي رسمياً بعد الإشكالات والمشكلات الكثيرة التي عانتها طهران وإيران في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات ولمصلحة المحافظين واعتبر المعتدلون أن تزويراً ما حصل للنتيجة. لكن الأحادية عادت فتغلبت وحصل ما هو معروف في ذلك العام ثم تكرر في العام الجاري لكن التكرار نقل الشعب من الامتعاض السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديموقراطي الى احتجاجات يمكن أن تتحوّل انتفاضة وربما الى أكثر من ذلك تقضي على الآلاف ولكن من دون القضاء على النظام.