ابرز ما تناولته صحف اليوم الخميس ١ ايلول ٢٠٢٢


كتبت النهار

يتذكّر اللبنانيون جيّداً أن نظرة المسلمين من مواطنيهم الى العماد ميشال عون قائد الجيش ولاحقاً رئيس الحكومة الانتقالية عام 1988 وفي مقدّمهم الشيعة، لم تكن سلبية على الإطلاق، إذ كان فيهم من يعتقد أنه صاحب "فكر وطني"، وأنه يستطيع إذا درس الواقع اللبناني بدقة أن يؤسّس أرضية مشتركة مسيحية – مسلمة في لبنان، وتالياً أن يضعه على طريق العافية وإن طويلة. وقد عاش كاتب "الموقف هذا النهار" هذا الجوّ بتفاصيله ودقائقه في حينه مع أصدقائه النافذين والمهمّين في "المقلب" الآخر من لبنان، علماً بأنه كان يخالفهم الرأي في هذا الموضوع أحياناً كثيرة. أثبتت التجربة بعد عقود أنه كان محقاً وأن "معشره" كان يهتمّ بمصلحة لبنان ويرى في عون محققاً لها وحامياً. لكن الحاضر اللبناني، بعد المسيرة السياسية لعون بين 1988 و2022، أظهر أن النظرة المسلمة الشيعية إليه كانت في محلّها إذ صار حليفاً لحزبها المقاوم الأول "حزب الله"، فتنازل له عن مواقف مبدئية أو كانت مبدئية عنده وعند "التيار الوطني الحر" الذي أنشأ، كما عند المسيحيين عموماً، الأمر الذي دفع أعداءه من بينهم الى الانضمام إليه معتبرين أن من كانوا يوالونهم "باعوا القضيّة" وغطوا "اتفاق الطائف" الذي اعتبروه ماسّاً بصلاحيات المسيحيين في دولة لبنان. هذا من الماضي، أمّا الحاضر فإن اللبنانيين السنّة والدروز وغالبية المسيحيين توصّلوا الى اقتناع بأن "قلبة" عون انعكست سلباً على لبنان ومنعت اتفاق الطائف على ثغراته من نقله تدريجاً الى دولة مدنية جدّية بعدما كانت دولة طوائف ومذاهب وصارت لاحقاً دولة شعوب متناحرة يعتبر كل منها نفسه أمّة. ولم يعرف هؤلاء اللبنانيون أن المداخلات الخارجية من عربية شقيقة بالقومية وإقليمية شقيقة بالإسلام ومذهبيْه المتواجهيْن منذ نشوء الدعوة الإسلامية قبل قرون وقرون، أنها أسهمت بقوة في إضاعة فرصة "الطائف" بعد استعمال لبنان لشعوبه لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وهي تدمير دولته كما دمّرت الدولة التي سبقتها.

انطلاقاً من ذلك كله فإن الجواب عن سؤال: أيّ دور على الرئيس عون الذي تنتهي ولايته بعد شهرين من الآن أن يقوم به. هذا سؤال يوجّهه لبنانيون موضوعيون الى حد ما لأن الموضوعية المطلقة لا تعرفها شعوب لبنان. فيقولون إن عليه أن يقوم بدور "الحكم" بعد خروجه من الرئاسة رغم أنه لم يقم به عندما كان في السلطة، ولو قام به لوفّر على نفسه وعلى "التيّار" الذي أسّس وعلى المسيحيين الذين أسهم في شقّهم منذ عام 1988 وفي تعريضهم لحرب الإخوة – الأعداء ولاحقاً في فتح طريق مناطقهم للشرعية اللبنانية المنبثقة من "الطائف" وقبلها لسوريا الأسد التي كلفها رعاة هذا الاتفاق مساعدة اللبنانيين على إنهاء حروبهم وإقامة دولة انطلاقاً منه. أما البقيّة فمعروفة، فالموكَّل قام بدوره اللبناني جزئياً فأقام دولته في لبنان واستغلّ شهوات قادة اللبنانيين أو معظمهم الى السلطة وامتنع عن توحيدهم وأسّس لـ"العصر" الذي يعيش فيه لبنان اليوم، والذي قد يتكرّس لاحقاً بدولة ذات صيغة ونظام جديدين يذكّران بصيغ لبنان قبل الحرب وفي أثنائها. دور الحكم لا بدّ أن يفرض على عون الخارج من السلطة والمعتبر من الذي يواجهه فيها المساعدة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية معتدل ومقبول من اللبنانيين كلهم وموثوق منهم وقادر إذا وفّر له "القادرون" في الداخل والخارج الظروف على بدء وضع لبنان على سكة التسويات أو الحلول من خلال متابعة لصيقة لما يجري في المنطقة والتمسّك بدور له في مجريات أمورها وتطوّراتها. يعني ذلك ابتعاد عون عن وضع "الفيتوات" على أحد، وأن يكون موقفه الفعلي نابعاً من مصلحة البلاد لا من مصلحة أشخاص وأقرباء وندماء وأوصياء. يعني أيضاً امتناعاً عن انتهاج سياسة وضع "الفيتو" إلا على "المشهود" لهم بقلة وطنيتهم أو بفسادهم أو بفئويتهم، شرط أن لا يكون الدافع الى ذلك مصلحياً. فموافقة الأقرب الى عون أي رئيس "تياره" النائب جبران باسيل على خياره الرئاسي غير مطلوبة ومؤذية واشتراط تنفيذ الرئيس الجديد مطالبه ينهي دور الحكم الذي يطمح اللبنانيون أن ينهي عون عهده به. ويقتضي ذلك أن يؤكد عون أن لا مطالب له شخصية وغير شخصية.

هل من نصائح أخرى يعطيها لبنانيون ليسوا عونيين ولا ضد الذين ضدهم بل لبنانيون مسيحيون على وجه العموم للرئيس المغادر قصر بعبدا بعد شهرين؟ هناك نصيحة أخرى يعطيها هؤلاء هي أن يستعيد رئيس لبنان منذ الآن وبعد انتهاء رئاسته، احترام الدول العربية الشقيقة ودول العالم والرغبة في العمل معها لمساعدة بلاده المنهارة. فلبنان على الأرض الآن بل صار تحتها وهو يحتاج الى مساعدات جدّية من أجل حلّ مشكلاته الكثيرة، ومنها مساعدته على تحديد حقوقه النفطية والغازية في مياهه الإقليمية المحاذية لمياه إسرائيل وعلى استخراجها وتصديرها والإفادة منها لإعادة حياة الرفاه والبحبوحة الى اللبنانيين والثقة بالدولة التي صارت رماداً. هناك نصيحة أخرى هي إعادة الرصانة والعلم الى القضاء والطلب منه عدم الرضوخ لأيّ ضغط يتعرّض له من أيّ جهة كانت ومنع تحوّله "قضاءات" كلٌّ منها خاضع لطائفة ولمذهب ولدولة أو دول شقيقة في العروبة أو في الدين ومذاهبه. ويبدأ ذلك بالتوجّه الى من ينتمون إليك أي الى الرئيس ثم الى "الرؤساء" الآخرين الذين يشاركونك الرئاسة الامتناع عن التدخل في القضاء. طبعاً لن "يضبط" القضاء على أيام عون لكن مواقفه الجديدة إذا اتخذها قد تعيد إليه الاعتبار وتفتح الطريق أمام سلوك مشابه عند "الرؤساء" الآخرين.

هل من أدوار أخرى على الرئيس الذاهب الى "فيلته" الجديدة في الرابية بعد انتهاء ولايته أن يقوم بها؟ وهل يمكّنه الوضع العام الحالي وسنّه المتقدّمة والمصالح الداخلية والخارجية المتناقضة من القيام بكل ما يطلبه منه اللبنانيون اليوم؟