ابرز ما تناولته صحف اليوم الخميس ١٨ آب ٢٠٢٢


كتبت النهار
لم تبرز سوى فرنسا في السنتين الاخيرتين لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 في اطار التسويق لعدم ترك لبنان ومساعدته على مختلف المستويات بالوكالة عن نفسها في شكل اساسي وبالنيابة عن دول اخرى رأت ان الاعتماد على فرنسا التي لا تزال تقيم علاقات مع كل الاطراف ولا سيما مع " حزب الله " هو اهون الاحتمالات وافضلها في هذه المرحلة . وحين بدأت المقاربات السياسية المختلفة لموضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية توجهت انظار سياسيين كثر الى دور فرنسي محتمل ان من اجل تقريب وجهات النظر او تحديد الاطر المناسبة يعتقد كثيرون انه لا يزال الاكثر اهلية والاكثر قبولا لدى مختلف الاطراف السياسية من دون حتمية النجاح لا سيما بعد الفشل في ما اطلقت عليه تسمية المبادرة الفرنسية وعدم اقتناع الاطراف السياسية بالذهاب الى الاصلاحات وتنفيذ شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ولكن ثمة تحفظات يعتقد البعض انه يلمسها لدى اطراف سياسية ومنها اطراف مسيحية عن دور فرنسي محتمل على خلفية التحسس مما يعتبر " دلع " توفره فرنسا ل" حزب الله" وتقوي اوراقه لا سيما بناء على المصالح الفرنسية ربطا بالاتفاق النووي وما ترغب فيه من استثمار في مصادر الطاقة البديلة من الطاقة الروسية التي يتم التخلي عنها نتيجة الحرب الروسية على اوكرانيا. يخشى ان يجنح الدور الفرنسي في اطار تدوير للزوايا يأخذ في الاعتبار هذه العناصر تماما على ما يعتقد انه جرى في العامين الاخيرين . اذ ينقل مطلعون اكتشاف المسؤولين الفرنسيين اخيرا ان اداء الرئيس سعد الحريري لم يكن سيئا في المرحلة السابقة بمقدار ما تم التركيز على ذلك فيما دفع اطراف سياسيون في هذا الاتجاه ولا سيما تيار رئيس الجمهورية ميشال عون تحت جملة ذرائع . وحين اخذ الفرنسيون جانب هذا الاخير ضاغطين في اتجاه تعويم مطالب جبران باسيل ووضعه ما شكل ضغطا كبيرا على الحريري وجدوا ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي دعموا وصوله بدلا من الحريري اصطدم بالمعادلة نفسها ورفض الاستسلام لجنوح باسيل في السلطة والامساك بمفاتيحها وانه حاول التحرر من اطماعه بفعل اقتراب العهد من نهايته فيما ان الاطراف المسيحية المؤثرة عبرت عن اشكالية لها ليس مع الحريري فحسب بل مع ميقاتي كذلك وموقع الرئاسة الثالثة في الاعوام الثلاثة الماضية على الاقل . وتعتبر اوساط سياسية ان ابتعاد الحريري عن العمل السياسي ساهم في تعرية الاطراف السياسية بمقدار ما كشف ان خللا كبيرا اصاب المعادلة اللبنانية بعدما اظهرت الانتخابات النيابية انه لا يزال الزعيم السني الابرز الذي تفتقده طائفته وكذلك التوازنات الداخلية . ولك يكن حكيما من المسؤولين الفرنسيين مسايرة رئيس الجمهورية وفريقه من اجل تسهيل تأليف حكومة جديدة لم تنجح في نهاية الامر باستثناء ما ضغط من اجله الفرنسيون اي الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي واجراء الانتخابات النيابية في موعدها .

ويعتبر البعض ان المسيحيين واجهوا مع باريس معضلة حقيقية تركت اثرا كبيرا لا سيما في اداء ميشال عون بعد عودته من فرنسا على خلفية ان فرنسا باتت اكثر اقترابا من الطائفة السنية في لبنان وان المسيحيين فقدوا الحليف الاساسي لهم . اذ كانت علاقة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجميع يذكر اقامة الرئيس الفرنسي في منزل صديقه اثناء زيارة له للبنان نقطة احباط كبيرة لدى المسيحيين بحيث ان انقلابها مع الادارة الفرنسية الحالية بات اكثر ضررا . فمع ان باريس اخذت جانب عون في حروبه ضد الحريري ، ربما من باب اشعارها بهذه المواقف واثارة العامل المسيحي في لبنان وضرورة عدم كسره في وجه الطائفة السنية او من منحى الصلاحيات التي يتباكى عليها فريق رئيس الجمهورية، فان التحول الذي تراه اطراف مسيحية في اتجاه مراعاة باريس " حزب الله" واعتباراته لاعتقاد بان الحوار مع الحزب اكثر جدوى ولمصالحها القوية مع ايران وقدرتها على التواصل معها من اجل تسهيل الامور في لبنان من بين امور اخرى ، يحتمل ان يأتي على حساب مصالح المسيحيين .

ستضطر باريس في حال دخولها على خط الضغوط من اجل اجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده بفعل التزامها الاستمرار الى جانب لبنان وعدم انحداره اكثر الى الانهيار او بفعل مصالحها كذلك ان تأخذ التحفظات حول دورها في الاعتبار لئلا تواجه ما واجهته مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون في مطلع ايلول 2020 والطاولة المستديرة التي عقدها في قصر الصنوبر . اذ ان الانتقادات لمقاربتها السابقة قبل عامين متعددة الاتجاهات وهي حفرت عميقا في شكل خاص لدى الطائفة السنية بفعل دعم باريس باسيل للتخلي عن الحريري في رئاسة الحكومة . ولكن ثمة من يظهر اقتناعا كبيرا بان مصالح الدول تتقدم ولا تقف عند حدود طائفة او فريق على طول الخط ، فيما لا تقر او ترفض الاطراف المسيحية المؤثرة السياسية وحتى غير السياسية ان عامل بقاء المسيحيين واستمرارهم في لبنان والمنطقة يكتسب اهمية كبرى لا تزال تصر عليها دول عربية وغربية ، ولكن خلال ثلاثة عقود حتى الان خسر المسيحيون الكثير من دورهم المحوري في المعادلة السياسية الداخلية بفعل خلافاتهم وتشظيهم وثمة خسارة جسيمة جدا ومكلفة مع الانهيار الذي تم دفع البلد اليه في خلال الاعوام الثلاثة الماضية مع هدم الركائز الاقتصادية والتربوية والصحية والجامعية والمصرفية التي كانت في صلب الحضور المسيحي وثقله في لبنان والمنطقة . وغبار الانهيار المستمر والمتمادي يحجب حتى الان احصاء الاضرار او الحد منها لا سيما في ظل هجرة لكل الشباب والعائلات بما يؤثر على البيئة المسيحية وعلى الحضور المسيحي على المديين القريب والبعيد .