كتبت النهار
حتما لا يمكن التنكر لطابع المفارقة الزمنية التي تبرز في الكلمة الأخيرة للسيد حسن نصرالله لجهة انه يتحفنا بعد 17 عاما من حرب تموز بثبات وفائه للحرس الثوري الإيراني الذي اذا تطلّبت مصالحه الاستراتيجية النووية والإقليمية والدولية إشعال حرب من لبنان وعلى لبنان فـ"حزب الله" لها. لن نخوض في عقم الرهان على تبديلٍ في هذا المكوّن الجيني للحزب، ولكن من حقنا كلبنانيين ضحايا للانهيار الذي تسبب به أولا وأخيرا استئساد الحزب على ما كان دولة في لبنان ان نشمت ولو للحظة بذاك الحليف الاستراتيجي الذي أوقف الحزب عقارب الزمن والنظام الدستوري والحياة السياسية برمّتها سنتين ونصف سنة لإيصاله الىِ رئاسة الجمهورية، فاذا به يبادر في "آخرة العهد" الحليف الشقيق الشريك في التفاهم المقدس الى تسديد رصاصة الرحمة في رأسه مستبقاً موعد الوداع وموعد إحلال الخلف الموعود من صفه و"خطه" وربما من الـ"كلان" العائلي إياه. ذاك "الوعد الصادق" الجديد بعد 17 عاما على حرب 2006، بصرف النظر تماماً وكلياً عن مدى إمكان ترجمته أو بقائه في إطار التهويلات بحرب المناورات الإعلامية والنفسية الجارية بين إسرائيل والحزب، سيُسأل عنه أولا العهد المجيد وما كان يسمى دولة في أسوأ المواقيت والظروف الانتقالية التي تضرب أنفاس البلاد المتقطعة في آخر أيام العهد الذي يتباهى الآن بأن مأثرته الكبرى ستكون في مسارين قد يعوّضان عليه إدانة الحقيقة والتاريخ لعهده كمسبّب لانهيار لبنان: الترسيم البحري للحدود بين لبنان وإسرائيل والتدقيق الجنائي الجاري أولا في مصرف لبنان.
قطعاً لن نغرق في عبثية الرهان على رد "دولتيّ" من العهد على حليفه الذي أوصله الى الرئاسة، ولن نضيع الوقت في سؤال أنصاره كيف تراه الحزب يحترم العهد ويقيم له من بدايات الولاية الى آخرها الصدقية المطلوبة حين يعلن سيده جهارا نهارا انه القرار الاستراتيجي ولا قرار في لبنان سواه ولو زجّ بلبنان منفردا في حرب تجهز عليه نهائيا هذه المرة… فكل هذا استُنفد وصار مبتذلا وعبثيا ولم يعد من العهد سوى بالكاد الأشهر الثلاثة الأخيرة.
الأخطر والأهم في ما وضعَنا امامه الأمين العام للحزب، بالإضافة الى شغفه المتعاظم بإطلاق تلك المعادلات التي تشعل حماسة الأنصار الى المواجهات والوعود بنصر إلهي جديد، ان نتساءل عما اذا كان "وعد أيلول" بتوازن "الاستخراج في مقابل الاستخراج" وإلا ستكون الحرب أشرف من الذلّ والجوع، نتساءل هل سنكون امام حرب مع إسرائيل أم تقويض للاستحقاق الرئاسي يختبئ وراء تداعيات المواجهة حول استخراج الغاز؟ ومن ثم نسأل، كلبنانيين صدَّقوا ان توافد مئات الألوف من ديار الاغتراب الى السياحة العامرة في هذا الصيف المجيد شكّل مؤشر تفاؤل بانزياح سنوات الشؤم عن لبنان، أيّ مصادفة هذه تجعل "حزب الله" الحاكم يستهوي دوما اطلاق الوعود "السلمية" عند مشارف الصيف؟
وأما الأهم من كل ما سبق، ولأن الضرب بالسلطة الميتة حرام، لن نسائل أحدا منها عما تراها ستفعل لاقتناع من يجب بأنها لا تزال قادرة على ابرام اتفاق ما على ترسيم الحدود البحرية بعد كل هذه المهانة العلنية الفاضحة. بل نسأل مبكرا: ترى أي رئيس وبأي مواصفات ومعايير سيُنتخب، اذا انتُخب، سيكون قادرا على مواجهة "معايير الحرب" التي وضعها السيد لمرشحه "التابع"؟