كتبت النهار
يعرف الرئيس نجيب ميقاتي انه من الأفضل له ان تبصر حكومته النور في أسرع وقت بدل استمراره في حكومة تصريف الاعمال التي لا تقدر على التجاوب مع جملة من الملفات العالقة مع صندوق النقد ولا تسهل في الوقت نفسه مهمة مجلس النواب في اطلاق عجلة القوانين المطلوبة التي ستواكب عمل الحكومة المنتظرة التي لا يبدو ان مراسيمها ستصدر الا بشق النفس اذا توفر. وسارع ميقاتي الى تقديم تشكيلته للرئيس ميشال عون ليس من باب واجباته الدستورية في عملية التأليف فحسب بل من أجل مصلحة البلد وتسيير عمل المؤسسات التي لا يبدو انها ستقوى على الصمود من دون وجود حكومة في وقت يتم استنزاف 25 مليون دولار كل يوم على الدعم والطلب من مصرف لبنان تأمينها والحبل على جرار النزيف المالي والكهربائي اذا تم استمرار هذا النوع من السياسات الخاطئة والتي تقضي على ما تبقى من احتياط في وقت لا يتحمل فيه البلد اي مناورات ولن تنطلق اي خطط من تعاف اقتصادي وغيرها دون وجود حكومة.
ومن هنا سيتدرب الجميع على "التأقلم الصعب" في الوقت الضائع وأقله الى بداية ايلول المقبل موعد تمكن الرئيس نبيه بري من دعوة البرلمان الى انتخاب رئيس للجمهورية. وبعد تبيان مواقف الافرقاء من تشكيلة ميقاتي التي لم تلق قبولا بالطبع عند العونيين ومن يمثلون والتي لم تكن محل اعتراض عند ثنائي "حزب الله" وحركة "أمل" ولو كانا يعرفان سلفاً ان توزيع بعض الحقائب بهذه الطريقة لن تحظى بموافقه عون ومن خلفه رئيس "تكتل لبنان القوى" جبران باسيل.
بالنسبة الى بري فهي يرى اقدام ميقاتي على هذه التشكيلة بهذه السرعة امر ايجابي على اساس ان البلد لا يحتمل اي تأخير او مماطلة في التأليف ، وان ما حصل يشكل "افتتاحية المفاوضات" القابلة للأخذ والرد بين الرئيسين ليتوصلا الى قواسم مشتركة تؤدي الى الافراج في نهاية هذا المطاف الى الافراج عن مراسيم التأليف. ولم يقدم ميقاتي على تسمية النائب السابق ياسين جابر لوزارة المال قبل تأكده من موافقة بري على الاسم المطروح الذي تربطه مع الرئيس المكلف صداقة قديمة مع جابر تعود الى الثمانينات.
وكان من الواضح ان ميقاتي لم يشاور الحزب في تشكيلته ولم يسأله عن ممثليه الذين أبقى عليهم بعد تجربة ناجحة له معهم لم تشهد مشكلات. ولا يريد الحزب الدخول في مسالة استبدال اسم وزير الطاقة وليد فياض بالسني وليد سنو مع التوقف عند ما تمثله هذه الحقيبة عند العونيين حيث لا تتعلق مهمة من سيشغلها بخطة الكهرباء التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر. ولذلك لم يقدم الحزب على الدخول في هذه المساحة من الخلاف بين ميقاتي وعون حيث يترك لهما مهمة توليف التشكيلة اذا كتب لهما ان يتوافقا عليها مع التوقف عند باسيل الذي يتعاطى بأهمية أكبر مع هذه الحكومة التي ستكون الاخيرة في ولاية عون وهو لم يقصر في الفعل نفسه مع الحكومات السابقة مع تشبثه هذه المرة بعدم التفريط بأي عنصر يمكنه من الاستفادة منه وربطه مع استحقاق انتخابات الرئاسة الاولى.
واذا كان ميقاتي يعرف كل هذ الحواجز التي تعترضه فهو يستند الى جملة من الأمور التي دفعت به الى التعجيل في اتمام تشكيلته بغية احداث صدمة ايجابية تحمل رسالة الى الداخل تفيد بأنه يسعى جدياً من أجل الوصول الى التأليف المنتظر ولو لم يتثبت بعد ان طريق حصوله على ثقة البرلمان ليست معبدة بعد فهو يحتاج هنا الى اصوات من النواب العونيين الذين لن يوافقوا على أي تشكيلة قبل ان يطمئنوا الى تمثيلهم فيها. ولا شك انهم سيقاتلون الى النهاية ، ولا سيما في الاشهر الاخيرة والفاصلة من ولاية عون الذي لن يوقع اي تشكيلة قبل تأكده من تمثيل فريقه في صفوفها مهما تلقى من ضغوط. لكنه في المقابل لا يمكنه التفرج على كل هذه التحديات والتصدي لها من دون حكومة فاعلة. واذا كان قبل تسمية ميقاتي يفكر في الاتيان باسم سني آخر فلم يعد قادرا بعد تكليف ميقاتي على القفز فوق مجلس النواب ولا امام ما سمعه من اكثر من عاصمة، ولا سيما من طرف الفرنسيين الذين قالوا كلمتهم عبر وفد وزارة خارجية بلادهم الذي جال على مجموعة من الافرقاء وكان ميقاتي كلمة سرهم. وهذا ما أسمعوه الى "حزب الله" وجهات سياسية اخرى.
ولم تتوقف باريس عن مواكبتها للملفات اللبنانية العالقة من تأليف الحكومة الى شؤون أخرى مع ملاحظة ان مستشارين فرنسيين كبار في حلقة الاليزية كانوا يتولون متابعة الازمة في لبنان تم تسليمهم قضايا اخرى مع ترك هذه المهمة الى الديبلوماسي بيار دوكان وتغييب اسماء عن المشهد اللبناني المفتوح على المزيد من التقهقهر في الداخل ولو جاءت بعض الاشارات الايجابية من الخارج لكنها لا تكفي ولا يمكن التعويل عليها من دون تلاقي الافرقاء في الداخل. وسط ترقب الجميع الى ما سترسو عليه حصيلة المفاوضات بين الايرانيين والاميركيين في الدوحة مع انعكاس هذا الامر على لبنان وأكثر من ملف في الاقليم. وصحيح ان هذه الحصيلة لو تؤد الشيء المطلوب من هذه المفاوضات، ولا سيما ان بداية المحادثات الاخيرة بضيافة المظلة القطرية حيث لم تكن مشجعة بين الطرفين ولو لم يقفلا ابواب الحوار انطلاقا ًمن مصلحة كل طرف. واذا نجحت طهران وواشنطن في التوصل الى نقاط ايجابية ومشتركة ستظهر على الفور اشارات ايجابية على مستوى ترسيم الحدود البحرية في الجنوب بين لبنان واسرائيل بحسب مصادر ديبلوماسية مواكبة في بيروت.