كتبت النهار
رسم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الخط البياني لمسارعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل في شكل واضح ولا يحتمل أي التباس، في وقت أصبحت تل أبيب على قاب مسافة جغرافية ولوجستية قصيرة تسمح لها بإنتاج الغاز والنفط من "كاريش" وحقول أخرى. وأراد الحزب ان يقطع الطريق في هذا التوقيت مستبقاً زيارة الوسيط الاميركي أموس هوكشتاين الى بيروت وما سيستمع اليه من المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم، بدءاً من الرئيس ميشال عون الى قيادة الجيش. وسيكون طيف خطاب نصرالله الاخير حاضرا في هذه اللقاءات في لحظة مفصلية وحساسة ستحدد مصير هذا الملف العالق مع اسرائيل، وان من مصلحة الجهات اللبنانية المولجة بالتفاوض الاستفادة من السقف الذي وضعه نصرالله مساهماً في تعزيز الموقف اللبناني الرسمي والعسكري، مع ملاحظة ان نصرالله اختار عباراته بعناية شديدة تفادياً للوقوع في اي التباس، وترك للاسرائيليين وكل من يهمهم الامر من الاميركيين الى اليونانيين وسواهم التوقف جيداً عند خطورة بدء سفينة الحفر والاستخراج اعمالها قبل اتمام ملف المفاوضات، ولا سيما عند وضع هذا الملف في مرتبة وخطورة اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 وتحرير الشريط الحدودي المحتل في أيار 2000.
وثمة مجموعة من الرسائل اراد نصرالله توجيهها الى كل من يهمه الامر. في مقدمها ان لا رجوع عن الموقف الذي اتخذه الحزب في هذا الصدد، وان لا فائدة من التغاضي عن مشروع اسرائيل في البحر وامتداد شعاع اطماعها نحو الثروة البحرية التي تعود للبنان. وأدى هذا الموقف الى خلق "انعطافة كبيرة" تمكن الفريق اللبناني المكلف مهمة الترسيم من ان يعمل بارتياح اكبر، وان يبدو في موقع من يقول للاسرائيلي ومن خلفه الاميركي :"اذا لم تتفق معي وتقدم التنازلات المطلوبة... اذهب نحو حزب الله". وأراد نصرالله ان يضخ في جسم المفاوض اللبناني عوامل تمكنه من التسلح بـ"نقاط قوة" اكبر يمكن الاستناد اليها، مع ملاحظة ان نصرالله ترك هذه المهمة للدولة للقيام بالواجبات المطلوبة منها بعدما نجح في تسديد "كرة النار" نحو هوكشتاين ليقول له ان المقاومة جاهزة للرد وتعطيل الاستخراج في حال لم يسوَّ موضوع الترسيم وحفظ ثروة لبنان وعدم النيل من نقاط المساحة المتنازع عليها في "كاريش" او اي بقعة اخرى.
ويبقى المطلوب من وجهة نظر الحزب ضرورة التعاطي مع هذا الملف وفق إرادة وطنية تتخطى كل الاعتبارات الخلافية بين الافرقاء وقواعدهم، وتفرغ المسؤولين المعنيين لتقديم الردود المناسبة والمدروسة الى هوكشتاين، وان المطلوب من الاخير بحسب جهات متابعة التدقيق جيداً في ما قاله نصرالله، وان سياسة التنازلات لا تنفع. ولا تمانع جهات مواكبة ومؤيدة لخيار الحزب في هذا الملف ان يكون الخط 29 سقفاً للتفاوض بغية تعزيز الموقف اللبناني ليشكل رافد قوة في هذه المواجهة، مع استبعادها الوصول الى خيار الحرب، مع ملاحظة ان العالم لا يتحمل حربين، أقله في الوقت الراهن، حيث ما زال في امكان الجانبين اللبناني والاسرائيلي التوصل الى نقاط مشتركة بينهما وحصول كل طرف على مساحته في البحر.
وبعدما وضع نصرالله في أيدي المسؤولين اللبنانيين موضوع التفاوض وضرورة البت به من ثوابت حفظ الحقوق وعدم التراخي بها حيث يعتبر الحزب انه من خلال هذا الموقف على الجميع تحمل مسؤولياته لأن اتمام الترسيم بصورة كاملة وعدم التفريط بأي شبر او كوب ماء يعودان للبنان من خلال استخدام كل الوسائل. اما بالنسبة الى الغيارى على الخط 29 والاسراع في تعديل المرسوم 6433 فيُطرح التساؤل: هل يمنع ذلك الاسرائيلي من متابعة تحضير المنصة في "كاريش" والمباشرة في اعمال الاستخراج، ام ان من الأسلم التوصل الى موقف لبناني موحد بدل كل هذه المزايدات التي تصدر عن البعض من نواب جدد وسواهم، مع توجيه سؤال من الطرف المؤيد لوجهة نظر الحزب في مقاربته لملف الترسيم: هل يدرك المتحمسون للخط 29 وتوقيع المرسوم اليوم قبل الغد اذا وقعت الحرب ووجهت المقاومة رصاصتها الاولى كيف سيكون موقف هؤلاء؟ لا يقدم الحزب نفسه المسؤول عن الدولة اللبنانية وان كان يشكل جزءاً اساسيا في البلد، لكنه يقول ان مسؤولية الترسيم وعدم السماح للاسرائيلي بالاعتداء على ثروة لبنان مسؤولية الجميع.
ولم يصدر اي موقف من اي من المشاركين في وفد التفاوض او غيره، ولا سيما في المفاصل الحساسة والدقيقة مع ترك هذه المهمة لوزارة الطاقة وحلقة ضيقة من المسؤولين المكلفين التحدث الى الاعلام.
والمؤسف ان من لا يعرف بالترسيم ولا يفقه هذا الاختصاص يتصدر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي في التعليق على ملف بهذه الخطورة. ولو قيّض للخبير في الترسيم واستخراج النفط الاستاذ في الجامعة الاميركية قاسم غريب لكشف الكثير من المستور وما يدور في خبايا هذا الملف حيث لم يثبت اكثر المعنيين في لبنان انهم على قدر المسؤولية الوطنية لادارة ملف لا يخص طائفة ولا منطقة ولا حزبا، بل يتعلق بالاجيال المقبلة التي لن ترث الا مستنقعات الدين العام.
فحذارِ التفريط بهذه الثروة.