كتبت صحيفة النهار
كان من المفترض أن نتعامل مع نتائج الانتخابات النيابية بأدبيات متغيّرة متفائلة في ظل إسقاط أكثرية 8 آذار مهما تفنّنت قواها في إنكار الهزيمة وتجميلها. لكن أسبوعاً واحداً بعد الانتخابات نجد أنفسنا أمام "الطارئ" في مشهد البلاد بما يحول دون التبحّر طويلاً في استشراف الآتي من سيناريوات لأن إغراق اللبنانيين في رزمة اختناقات معيشية ومالية وخدماتية تصاعدية سيجعل الانتخابات أثراً بعد عين بتداعيات مرعبة.
لم يسبق أن شهد لبنان مهزلة هابطة سخيفة كتلك التي واكبت وتواكب الموجة الانهيارية الجديدة وسط "سكرة" تيّار العهد الحاكم الذي ينازع الهزيمة الانتخابية والسياسية والعد العكسي لنهاية عهده ونفخ حجمه على يد حليفه وحلفاء حليفه قسراً فيما هو يتنمّر في شعبوية كارثية. هذا الفريق الذي استحضر له النفخ بـ"بوتوكس انتخابي" لئلّا يتمزق كلياً الغطاء المسيحي عن "حزب الله" لم يتنبّه إلى أن أسبوع ما بعد الانتخابات تحوّل الى جحيم لتذكير عموم اللبنانيين بأن آخر انتخابات نيابية في العهد السعيد هذا لم ولن تأتي لهم بمخرج النجاة من الكارثة حتى لو جاء "التغييريون" بجحافل الى ساحة النجمة لأن أفضال العهد وحلفائه في ترسيخ الانهيار ستجعل من الجحيم حقيقة أقوى من كل استحقاق وأشد سطوة على أيّ تبديل في قواعد الاشتباك السياسي.
ولكن الفرقاء السياسيين قاطبة، راحوا في الأسبوع الفائت، يلهون ويسكرون على زبيبة الانتخابات، التي للمناسبة لم يشارك فيها سوى 41 في المئة من الناخبين بكل ما يعني ذلك من دلالات خطيرة وخطيرة للغاية، فيما زحفت على اللبنانيين موجات الخنق الوافدة من كل "جبهات" محاصرة الناس في قوتهم وعيشهم ويومياتهم الآيلة الى مزيد من إطباق الخناق على رقابهم.
اشتعل الدولار "التآمري" أو العفوي، لا فرق، غداة الاستحقاق المجيد بأرقام قياسية محلقة في فضاء لم يعد قابلاً للاحتواء والسيطرة ولا داعي للسؤال أين المصرف المركزي من هذه الفتنة القاتلة وأين كانت الحكومة وأين كان سائر ما يسمّى دولة في عدم التحسّب لاشتعال الدولار. ثم راحت القبضة تشتدّ بإشعال أسعار البنزين والمازوت والغاز ودفعها الى مقاسات مرعبة كأن يوازي سعر صفيحة البنزين الحدّ الأدنى للأجور ويعجز معظم الناس عن التزود بعد الآن بالبنزين ويكفّوا عن "الاشتراك" في خدمات السادة الأكارم أصحاب المولدات ويكتفوا من زاد الدنيا بساعة كهرباء "يشحذونها" من مؤسسة كهرباء لبنان. وللمناسبة أيضاً وأيضاً لم يرف جفن أحد بعد حيال الفضيحة الصاعقة التي كشفها رئيس الحكومة في آخر جلسة للحكومة عشيّة بدء تصريف الأعمال عن تعطيل جديد أقدم عليه التيار العوني لعرضين يؤمّنان الكهرباء، وهي فضيحة تزيد من الأفضال المشبوهة المثبتة على هذا التيار بفعل أفضاله العتيقة الحصرية في كارثة الكهرباء ومديونيتها. وقبل أن يجفّ حبر الاشتعالات هبطت مع القرارت "التاريخية" الأخيرة للحكومة بشرى إطلاق تسونامي رفع أسعار الاتصالات بعد شهر، كما بشرى إقرار ما يسمّى زوراً خطة التعافي التي تشكّل أسوأ الفخاخ لتذويب بقايا ودائع الناس في المصارف… والبقية تأتي.
لن نطيل في أزمات الخبز والطحين والدواء، ولعلنا مدعوّون لشكر الوزراء المستقيلين "الأبطال" فقط على رصد أموال للأدوية السرطانية كأنها منّة منهم لمرضى السرطان الذين أجبرتهم "الجحيم" على التظاهر. كوارث اليوميات تسابقنا ولا نقوى على حصرها. الخلاصة إذن: أيها المنتخبون اختنقوا معنا أو…؟