المسموح والممنوع، الحلال والحرام، الخير وشر سعدو بيك (الشيطان) وكافة الثنائيات الأخلاقية المتضاربة والتي على تضاد، ذاك هو الضمير، فهو يختزن في ثناياه المقدرة على التمييز قد شبّ على تنشئة إيمانية وأخلاقية ولذا يقال: راحة الضمير، كما أنه قاد على التصرّف الناقص، الشرير أو الظالم وبالتالي تحديد كل ما يقلق راحته ويعذبه، ولذل يقال أيضاً: عذاب الضمير.
ضميرنا هو المستبد العادل ولعلّ هذا الوصف هو الأقرب إلى إحتواء أبعاده. يستبد بنا ضميرنا فيقلقنا إذا ما خالفنا مقياس الدين أو الأخلاق أو القيم والمثل التي نؤمن بها ونعتمدها بوصلة لتصرفاتنا ولتعاملنا في هذه الحياة، شرط أن نكون على مستوى السموّ إلى المقاييس والمعايير الدينية والإيمانية والأخلاقية المثالية، كي يكون ضميرنا معافى. أما إذا كان الأمر قد إنقضى، ونام ضميرنا في غفوة عميقة واصبح مخدراً ومحنطاً (بسعدو بيك) والرغبات وثمار الغرائز، عندها لا ينطبق توصيف "العادل" على المستبد الذي هو فينا بل نضحي العوبة في أيدي الأهواء والأخطاء والذنوب والأذى وبالتالي نصبح في خدمة (سعدو بيك)، وما يناقض سمو الإنسان إلى مبادئه وإيمانه والخير الذي يمكن أن يمنحه ويمارسه إذا ما تحرر من الخطأ والخطيئة.
الضمير هو المحكمة المدمجة في أعماق إنسانيتنا، وهذه المحكمة لا تنام ولا تستفيد من عطلة قضائية ولا تقفل أيام الآحاد والأعياد... بل هي على مدار الساعة معقودة وتقوّم الأحداث وتزن التصرفات وتصدر الأحكام، فتريح الضمير أو تزعجه لا بل تعذّبه ولا ترحمه حتى يستقيم، أو أنها تصدر أحكاماً لا يطبقها النظام؛ وتذهب سدى في وضع الضمير النائم، أو المستتر أوحتى المنفصل عن الوعي والحق والأخلاق.
ضمير البشر هو غرسة في تربة: الغرسة هي تربتنا وإيماننا الديني، وتعليمنا وقيم أهلنا ومجتمعنا ومدرستنا وجامعتنا في مراحل نمائنا ونضجنا، أما التربة فهي وعاؤنا الداخلي، وغنى التربة بالمبيدات، مبيدات الشهوة والغرائز والتجاوزات وأنواع الجريمة من الصغائر إلى الكبائر. وحدها المبيدات تقتل الخطأ والخطيئة، وهكذا يكون الزرع وهكذا يكون الحصاد، خيراً أم شريراً: الجواب هو دائماً في الغرسة وفي التربة.
لو لم يكن الإنسان مميزاً، لما كان منح القدرة على امتلاك الميزان أو البوصلة الداخلية التي تدله وتحكم عليه إذا ما انحرف، ونكافئه عندما يمشي على الصراط المستقيم.
الضمير في الترتيب الهرمي لذواتنا، هو المحكمة العليا، ومن أصعب التحديات أن لا ننجح في فصل السلطات، وبالتالي علينا ان لانمزج ما بين الضمير والمعتقد أو العقيدة.
وللبقية تتمة..
حاطوم مفيد حاطوم
كاتب لبناني