كتبت ريم المحب
الشعب مصدر السُلطات ليس شعاراً يُتغنى به إنما هو الأساس في بناء الدولة الحديثة، وقد نص على ذلك المواثيق الدولية ومُعظم الدساتير ومن بينها الدستور اللُبناني. فالشعب هو الذي ينتخب من يُمثله في مؤسسات الدولة لإدارة البلاد وتحقيق مصلحته، وعندما يجد أي خلل أو تقصير، فللشعب الحق في إسقاط هذه الطبقة وتغييرها بطبقة أُخرى تُمثله خير تمثيل وتؤمن له الحياة الكريمة التي يطمح إليها، والتي هي أبسط حقوقه في الأساس، وعندما يخرج الشعب إلى الشارع للاعتراض على تصرفات الطبقة الحاكمة، فهذا حق مشروع وهو تطبيق لمبدأ الشعب مصدر السُلطات.
غير أنّ الأزمة العاصفة في لُبنان وبرهن المسؤولون اللبنانيون أنّ هذه المقولة ليست موجودة وتجاهلوا أمرها حتى كشعار، فما حصل في لُبنان منذ اندلاع الإنتفاضة منذ سنتين وحتى يومنا هذا، ليس إلا مُجرد تغيير في وجوه الوزراء، فالمنظومة الحاكمة لا تزال موجودة ولا تقدّم أي حل للشعب اللبناني. فما أنهك الشعب ودفعه للنزول إلى الشارع للإعتراض عليه يُطبّق الآن ويحصل من دون حسيب أو رقيب. واللافت في الأمر أيضاً غياب من يطلقون على أنفسهم إسم ثوار 17 تشرين فهم يُطلون علينا بين الحين والآخر يدعون للنزول إلى الشارع لمدة أربع أو خمس ساعات يقطعون فيها الطرقات ويحرقون الإطارات! عن أي ثورة يتحدثون؟
فعلى الرغم من ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وارتفاع الأسعار الجنوني، وإنقطاع الكهرباء وارتفاع تسعيرة اشتراك المولدات، وأسعار المحروقات وإخفاء الأدوية لرفع أسعارها وحليب الأطفال… ولا يُمكننا أن ننسى الإنجاز العظيم الذي قام به حكام الوطن المُتهافتون على السُلطة والذي يتمثّل برفع الدعم عن الدواء وحليب الأطفال ومُعظم المواد الأساسية… لا يوجد أي خطوة فعلية يقوم بها الثوار!
وفي المقلب الآخر لا بُد من طرح سؤال مُهم: وماذا يفعل الوزراء المُتعاقبون وما نفع وجود حكومة لا تُقدم أي منفعة للشعب، فدور الدولة غائب تماماً في لبنان، فأين هي وزارة الاقتصاد وحماية المُستهلك من الجرائم التي تحصل في حق اللبناني؟ أين حاكم مصرف لبنان من إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي؟ جُلّ ما تقوم به الحكومة هو إعلان التعبئة العامة وإغلاق البلاد فقط، وإثقال كاهل المواطن اللبناني بأعباء جديدة…
لقد خرج اللبنانيون منذ عامين للمُطالبة بعدم تحميلهم أعباء جديدة لا يُمكنهم تحمُلها، غير أن السُلطة السياسية تغاضت عن الاستماع إلى هذه الأصوات وتجاهلت وجود شعب يرزح تحت خط الفقر خاصة في ظل إحتجاز ودائعهم في المصارف، بل أصبح أهل السُلطة ينتقدون المنظومة الحاكمة! فمن ينتقد من ومن هو المسؤول عن الذي يحصل؟ أو ليسوا هم الذين أوصلوا البلاد إلى هذه المرحلة؟
للأسف لُبنان اليوم يعيش في فوضى مُنظمة ممنهجة تهدف إلى حماية الطبقة السياسية الحاكمة للانقضاض على ما تبقى من لُبنان والإستفادة من ثرواته والشعب مُغيب مُخدر لا يقوى على الحراك صابر، ويُحاول التأقلم مع الوضع الحالي آملاً بمُعجزة إلهية تُنقذه ووطنه.
لقد أثبتت الأزمة اللبنانية أن الشعب ليس مصدراً للسُلطات وإنما السُلطة في يد طبقة سياسية مُتعجرفة، تهدف إلى تحصيل مكاسب خاصة قبل إنهيار الوطن المُتآكل.