انتشار مرض الجرب يفتح ملف السجون في لبنان الدولة في ظل الانهيار المالي والاقتصادي لا توفر الخدمات الرئيسة والحياتية
القدرة الاستيعابية للسجن المركزي في رومية هي 1050 شخصاً بينما يوجد فيه 3592 سجيناً (رويترز)
نشر أهالي السجناء في السجن المركزي في لبنان (رومية) صوراً لحالات من الجرب والتقيحات لدى عدد من النزلاء. وخلقت هذه الصور حالة من القلق لدى الأهالي في شأن الوضع الصحي لأبنائهم، فيما سلّطت الضوء مجدداً على واقع السجون في البلد، التي باتت تشكل بؤرة من بؤر التهميش، وتدخل ضمن قائمة ضحايا الانهيار المالي والاقتصادي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُثار قضية السجون اللبنانية من زاوية الفوضى والمساس بحقوق الإنسان، ولكن هذه المرة عادت إلى العلن من الزاوية الصحية. ويؤكد متابعون أن مشكلات السجن مستمرة من دون حلول، وفي مقدمتها الاكتظاظ وغلاء أسعار السلع في الحانوت والنقص في الغذاء الذي يقدّم إلى السجناء والحرس وضعف النظافة الشخصية والصحة.
وقد أثار أهالي السجناء في الفترة الماضية مجموعة من المشكلات التي يعانيها الشبان في رومية. وبحسب هؤلاء، فإنه "بعد الاشتباه في إصابة كثير من السجناء بكورونا، أجري 25 فحص PCR لعدد من الموقوفين، وتأكدت إصابة 7 منهم. وأدى ذلك إلى حجر نزلاء المبنى حيث المصابين. وظهرت حالات مرضية، لا سيما بالجرب وأمراض جلدية لدى مجموعة من السجناء نتيجة "المياه الملوثة التي تستخدم للشرب والاستحمام".
في المقابل، توضح مصادر وزارة الداخلية التي تدير السجون في لبنان بأن "الصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي لمريض يعاني الإكزيما". وفيما يتعلق بانتشار حالات الجرب داخل سجن رومية، فإن "فريقاً طبياً تابعاً لمنظمة الصحة العالمية، قام بمسح لجميع الحالات داخل السجن، وتبين وجود حالتي جرب بين المساجين. ويتم العمل على معالجتهما".
كذلك أثار الأهالي مشكلة النقص في الطعام، مع استمرار "منع العائلات من إدخال الطعام للمساجين بذريعة عدم إدخال مواد ممنوعة إلى النزلاء". ويؤكد نبيل رحيم (متابع لملف السجون) تفشي كورونا داخل السجن، و"تم منع العناصر الأمنية من الدخول أو الخروج من المبنى ب"، مشيراً إلى تقصير الدولة في تقديم الخدمات الصحية للسجناء، فهي "لا توفر الأدوية أو الفيتامينات وخافض الحرارة والمسكنات". وبسبب تلوث المياه، يضطر الشباب إلى شراء عبوات الماء من أموالهم الخاصة وبأسعار مرتفعة.
ويلفت رحيم إلى لقائه وزير الداخلية بسام مولوي منذ شهر، وقد استغل الفرصة لإطلاعه على واقع السجون. آنذاك، وعد الوزير بحل خلال مهلة عشرة أيام، ولكن ما زالت المشكلة الصحية قائمة. ويضيف "ما زال العلاج يقع على عاتق السجناء وأهاليهم الذين يتكبدون بدل الكشفيات". ويأسف رحيم لغياب مؤسسات الدولة عن حل مشكلات المواطنين، والسجناء أيضاً.
حقوق السجين غائبة
يتحدث رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية ميشال موسى عن تراكم المشكلات في السجون في لبنان. فمن جهة، تعاني السجون من الاكتظاظ، بحيث يتم حبس مجموعة من الأشخاص بما يفوق طاقتها الاستيعابية. من هنا، لجأت الدولة إلى استخدام النظارات التي تعتبر أماكن توقيف مؤقتة كأماكن بديلة للاحتجاز.
ويلفت موسى إلى عدم توفير الخدمات الأساسية، من النزهات إلى التعليم والتأهيل الحرفي، إضافة إلى الحاجات الحياتية الضرورية، كالطعام وغيره من الخدمات التي طاولتها الأزمة التي يعيشها لبنان، بالتالي "كانت السجون أكثر الأماكن تأثراً بالتدهور الاقتصادي والمالي".
ويطالب موسى ببناء سجون جديدة، تنطبق عليها الشروط العمرانية والتأهيلية، وأن تكون في المناطق لكي يكون هناك تواصل دائم ومستمر بين السجناء وأهاليهم، وعدم تكبيدهم مشقة التنقل والزيارة لناحية ارتفاع تكلفة النقل وبعد المسافة.
ورداً على سؤال عن الأوضاع الصحية داخل السجن وانعكاسات النقص في النظافة على حياة السجناء وصحتهم، يؤكد موسى وجود مشكلات داخل رومية، إنما في المقابل هناك أطباء تابعون لوزارة الصحة داخل السجن، إضافة إلى فرق الصليب الأحمر التي تزور السجون وتقدم بعض المساعدات، ومنها محطة لتكرير المياه لتصبح نظيفة، إلى جانب المعونات التي تمنحها المؤسسات الأهلية.
ويطالب موسى باهتمام إضافي لأن السجون هي الأماكن الأكثر تأثراً بالأزمات، مضيفاً أن "ارتكاب الأفراد خطأ يستدعي أحياناً سجنهم، ولكن يجب عدم حرمانهم من الحق بالعيش الكريم داخل هذه المراكز".
وعما يُثار عن "تفشي كورونا داخل السجون"، يكشف موسى أنها "ليست بالأعداد التي تُشاع"، وهي "تحظى بالفرص الاستشفائية، كما يتم تأمين الحجر داخل السجون". ويأمل ألا تزداد أعداد الإصابات، مطالباً وزارة الصحة بتأمين الخدمات الأساسية للنزلاء.
السجون قنبلة موقوتة
خلال الأشهر القليلة المقبلة، يُتوقع أن يضيق الخناق الاقتصادي والاجتماعي على اللبناننين، وأن ينسحب هذا الأمر على نوعية الحياة داخل السجون التي يمكن وصفها بالسيّئة. فيما تعجز الجمعيات الأهلية وغير الحكومية عن مساعدة المحتاجين في البلاد المنكوبة، وسط غياب الخطة الواضحة للخروج من الأزمة وعدم وجود حلول مستدامة لمشكلة السجون في لبنان.
ويؤكد موسى أن لجنة حقوق الإنسان النيابية قد تقدم المشورة، ولكنها ليست السلطة التنفيذية لوضع حلول للمشكلة. من هنا، يناشد المجتمع الدولي التحرك من أجل مساعدة لبنان عن طريق المنظمات الدولية، وتقديم المساعدة في أزمة السجون، في ظل الوضع السيّء الذي تعيشه البلاد.
وفي ظل توقع "ازدياد عدد السجناء بفعل تأثير الفقر في ارتفاع الجرائم"، يطالب موسى بالإسراع في تنفيذ خطط بناء السجون التي توقفت أو تأخرت بفعل نقص التمويل. وإلى ذلك الحين، يدعو رئيس لجنة حقوق الإنسان إلى تحسين أوضاع مراكز الاحتجاز لتكون أماكن للتأهيل و"مقبولة للحياة البشرية".
وفي كل مرة يُثار فيها موضوع السجون، يعود اقتراح قانون العفو العام إلى الواجهة. ويوضح موسى أن هناك خمسة اقتراحات قوانين للعفو العام، إلا أن إقرار أي منها يحتاج إلى توافق سياسي وتوافر أكثرية نيابية لبتّه، مشيراً إلى أن "عدم بت اقتراح قانون العفو سببه عدم الاتفاق على صيغة واحدة انطلاقاً من تعارض الخلفيات الطائفية والسياسية".
البحث جارٍ عن حلول
مرجع قضائي يؤكد أن قضية السجون مشكلة مزمنة، مشبهاً إياها بـ "كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم بسبب انهيار الدولة، وتفاقم الجريمة تحت تأثير حالة الفقر". ويقول "يبتّ القاضي مئة ملف، فيأتيه ضعف العدد، وهكذا دواليك".
ويُقرّ المرجع القضائي بالمسؤولية المشتركة بين وزارة العدل ووزارة الداخلية في تحسين ظروف السجون، مشيراً إلى أن القضاة يبذلون جهودهم في تسريع المحاكمات والرقابة على السجون، إذ "يقوم القضاة بزيارات دورية للمراكز، وإن أصبحت قليلة بعض الشيء، إلا أنه نادراً ما يتم نسيان موقوف في الداخل لأن الأهالي يتابعون الملفات بصورة دورية مع القضاة".
وعن تكدس الملفات داخل المحاكم والتأخير في إصدار الأحكام، يجيب أن "75 في المئة من أسباب التأخير تكمن خارج العدلية"، و"التأخير في غالبية الأحيان يحصل بسبب التأخر في إنجاز التبليغات، وعدم سوق القوى الأمنية للموقوفين أمام القضاة نظراً إلى عدم توافر آليات مجهزة لذلك بأعداد كافية"، مضيفاً "القضاة يبذلون جهودهم قدر المستطاع، والقضاة الكسولون هم أقلية في العدلية".
ويؤكد المرجع القضائي تأثير الخلافات والتجاذبات السياسية في إنجاز الحلول، التي تبدأ بتعيين قضاة أصيلين إضافيين، وبناء سجون حديثة وتوسعتها لأن "الحل ليس بإخراج المجرمين الخطيرين إلى بيوتهم بحجة الاكتظاظ"، لافتاً إلى جملة إجراءات تم إقرارها خلال الأعوام الماضية من قبيل "خفض السنة السجنية إلى 9 أشهر" و"تخفيف العقوبة للسجين الحسن السلوك إلى نصف المدة السجنية". ويكشف عن اجتماعات في وزارة العدل مع قوى الأمن الداخلي لوضع خطط لحل "مشكلة الاكتظاظ داخل السجون".
وكان وزير الداخلية المولوي قد أشار خلال تفقده سجن رومية إلى أن "ظروف السجناء تتعلق بظروف البلد مع انخفاض قيمة العملة وما صاحبها من غلاء فاحش، الأمر الذي يؤثر في التقديمات للسجناء وللقوى الأمنية والعسكرية". وتحدث عن اجتماعات مع رئيس الحكومة لإيجاد حلول لمشكلات اكتظاظ السجون، خصوصاً رومية "إذ يوجد 300 في المئة من قدرته الاستيعابية التي هي 1050، ويوجد فيه 3592 سجيناً". وأشار إلى سلسلة حلول من خفض السنة السجنية واقتراح مشروع العفو العام وتطعيم السجناء لأن "نسبة المحصّنين لا تتجاوز 10 في المئة".
اندبندنت عربية