خاص الشراع
رغم الاتهام الصريح والعلني لحزب القوات اللبنانية بالوقوف وراء احداث يوم الخميس الأسود في الطيونة من قبل قيادتي حركة امل وحزب الله ،والذيأدى الى سقوط سبعة ضحايا واكثر من ثلاثين جريحاً برصاص قناصين كما قال وزير الداخلية ،فان الجميع بانتظار نتائج التحقيق في ما جرى.
ويقول مصدر واسع الاطلاع مقرب من حزب الله لـ "الشراع" ان ما اعلنه رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين في هذا الصدد يستند الى معلومات لم يتم الكشف عنها حتى الان.
الا ان هوية الضحايا – كما يضيف- وهم كلهم من حركة امل وحزب الله كافية للدلالة بانهم لم يقضوا في اشتباك مسلح بين فريقين، وانهم سقطوا نتيجة كمين محكم ، عندما كانوا جزءا من تظاهرة سلمية متوجهة الى قصر العدل من اجل المطالبة بتنحية المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
وكما يقول المصدر المقرب من حزب الله، فانه ليس بين القتلى شخص واحد من القوات اللبنانية او حتى من عين الرمانة وان كل محاولات الترويج لروايات مفبركةوكاذبة عن استفزازات وعمليات تكسير واقتحام قام بها المتظاهرون هي محاولات لا تستند الى أي دليل او قرينة فعلية، ولو كان الامر حصل وفقا لما تم الترويج له في بعض وسائل الاعلام المعروفة في خلفياتها العدائية لحزب الله لكان تم تصوير عملية ضرب او اعتداء واحدة قام بها المتظاهرون الذين كانوا بمعظمهم من النخب في الحركة والحزب .وفي زمن توافر الكاميرات بكثرة من خلال الهواتف المحمولة كان يمكن توثيق أي اعتداء بالصور لو كانت الأكاذيب والفبركات المشار اليها صحيحة.
اما كل المشاهد الأخرى التي صورت وبثت شرائطها على وسائل الاعلام المرئي، عن مسلحين تابعين للثنائي يطلقون النار على القناصة ، فجاءت بعد حدوث المجزرة وليس قبلها او بالتوازي معها وهي ردة فعل طبيعية حسب ما يقول المصدر نفسه إزاء ما جرى.وقد سارعت قيادتا الثنائي الى سحب كل تلك العناصر لضمان عدم الوقوع في الشرك المعد لهما لاسقاط كل البلد في ما لا يحمد عقباه.
ويشدد المصدر نفسه على ان ما حصل لم يكن الا تجمعاً سلمياً احتجاجياً وان استهدافه بات واضحا في خلفياته ومراميه وأهدافه، رغم ان القوات اللبنانية قامت بإصدار بيان نفي لتحميلها مسؤوليته ردا على ما ورد في بيان مشترك لقيادتي حركة امل وحزب الله.
ويؤكد المصدر نفسه انه يجب عدم الاستهانة بما اعلنه السيد صفي الدين عندما حمل القوات اللبنانية مسؤولية ما جرى. وهو امر سيكون قيد المتابعة لان هناك ضحايا سقطوا نتيجة العنجهية والعقلية المغامرة التي مارسها رئيس حزب القوات يوم الخميس الأسود كما يرى المصدر نفسه، وهذا الامر ستبدأ ملامحه بالظهور تدريجيا وله اوانه ،لانالمطلوب هو ضمان عدم السقوط في ما أراد حزب القوات للثنائي الوقوع فيه.
ووفق مقاربة لما حدث في الطيونة واستهداف التظاهرة السلمية للثنائي، وهي مقاربة تحليلية –معلوماتية أجريت من قبل قياديين في الحركة والحزب فان ما حصل كان يراد منه تحقيق الآتي:
أولاً:اظهار الثنائي بمظهر الضعيف والعاجز. وإظهار القوات اللبنانية بمظهر الحامي للمسيحيين والمدافع عنهم .
وفي عودة الى ما كان قاله النائب السابق وليد جنبلاط قبل عدة اشهر نقلا عن جعجع، فانه بات للقوات كما كشف الأخير ميليشيا تضم اكثر من 15 الف عنصر، وانه أي جعجع يعتبر نفسه اليوم اقوى مما كان عليه بشير الجميل كما يعتبر ان حسن نصرالله اضعف مما كان عليه ياسر عرفات.
ولذلك ليس دقيقاً كل ما حكي عنه من سيناريوهات عن ان الهدف مما جرى هو جر الحركة والحزب الى ردات فعل عسكرية واسعة ، لاقتحام مناطق اطلاق النار على المتظاهرين والسيطرة عليها. ظنا من القوات اللبنانية بانها تعيد الزمن الى الوراء عندما حصلت حادثة بوسطة عين الرمانة في العام 1975 ،وادت الى اندلاع الحرب الاهلية في لبنان التي امتدت 15 عاما حتى إقرار اتفاق الطائف، وقام خلالها سمير جعجع ومن معه ببناء كانتونه الخاص الذي عارضه المسيحيون قبل المسلمين.
ومن قام بافتعال موقعة الطيونة اذا صح توصيفها على هذا النحو أي القوات المتهمة بها من قبل حزب الله، كان يدرك ان الأخير لن يقدم على الرد على النار بالمثل ،وان كل ما روج عن 7 أيار جديدة وما شابه ذلك من فبركات لا يمت الى الحقيقة بصلة ويندرج في اطار عمل دعائي هدفه الإساءة الى الحزب والثنائي.
واذا كان صفي الدين واضحا في رفض الانجرار الى الفتنة ، والحرب الاهلية، فان من اقدم على اطلاق النار على التظاهرة السلمية كان واثقا نتيجة عوامل عديدة ان الثنائي والحزب على وجه الخصوص لن يعمد الى التصعيد وانه حريص على عدم تعريض الاستقرار والسلم الأهلي لاي نكسة من نوع حادثة بوسطة عين الرمانة التي أدت في العام 1975 الى اندلاع الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاماً.
ومنذ اللحظة الأولى لحصول ما حصل كانت قيادتاامل وحزب الله متنبهتان لذلك، وسارعتا عبر الرئيس نبيه بري وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الى القيام بما يلزم من اجل عدم تفاقم الموقف وضبط الوضع ، لضمان انفلات الأمور او تهديد الاستقرار والسلم الأهلي. وقد نقل كلام عن بري ونصرالله في هذا الصدد يؤكد ان ابن عين الرمانة يعنينا مثل ابن الشياح وان أي محاولة للتمترس خلف الانتماء المسيحي للقتلة والمجرمين لن تجدي نفعاً. وبالتالي لم يكن هناك أي قرار من قبل قيادتي امل وحزب الله بالرد على النار بالمثل ، ولاسيما من قبل الحزب . وكل ما حصل هو ان بعض الشبان ممن هالهم ما حصل قاموا بالرد على اطلاق النار،قبل ان يصدر قرار من الحركة والحزب بشكل حاسم وجازم بسحبهم حتى لو كلف الامر استخدام القوة معهم لمنعهم من ان يكونوا وقوداً لاشعال نار التصعيد.
والحرص على أبناء عين الرمانة والمناطق المسيحية الأخرى ، ليس مستجداً في توجهات الثنائي ، وهو يدخل في صلب ادبيات حركة امل ومؤسسها الامام موسى الصدر ، كما تشير الوقائع التاريخية، وفقا لما يقوله المصدر المشار اليه. كما ان حزب الله الذي خاض معركة التحرير ومن ثم معركة الجرود ضد التكفيرييين في سنوات سابقة ودافع عن اللبنانيين مسيحيين كانوا او مسلمين لن يكون لا اليوم ولا غدا في وارد القيام باي عملية ضد منطقة او قرية مسيحية. والكل يعرف- كما يتابع المصدر نفسه- ان الحزب لو كان في صدد ضرب المجموعات المسلحة التي استقدمت من اجل نصب كمين يوم الخميس الأسود لكان فعل ذلك في اسرع وقت وبشكل يؤدي الى سحقها من دون المس بالمدنيين الذين يعملعناصر هذه المجموعات على الاختباء خلفهم ومحاولةتحويلهم الى متاريس للدفاع عنهم.
وكان المطلوب من الجيش والقوى الأمنية الأخرى تولي ردع العابثين بالاستقرار وهو ما حصل ويحصل حاليا ويستمر العمل على تأمينه بكل الوسائل المتاحة.
اما الهدف الثاني الذي ارادت القوات تحقيقه وفق المقاربة نفسها ،فيتمثل في توجيه رسالة الى الثنائي مفادها ان إزاحة او تنحية المحقق العدلي طارق البيطار هو خط احمر ، لن تقبل به القوات اللبنانية، وان أي تجاوز لهذا الخط الأحمر سيدخل البلاد في تعقيدات كبيرة بينها التهويل جر البلاد الى حرب أهلية.
وقد جاء هذا الامر على خلفية ما كان تم التوافق عليه من اجل نزع صلاحية البيطار في موضوع ملاحقة او التحقيق مع من تولوا مسؤوليات ويتمتعون بحصانات نتيجة موقعهم واسناد هذا الامر الى مجلس القضاء الأعلى. وقد رمت احداث يوم الخميس الأسود الى اجهاض ذلك وقطع الطريق على مجلس الوزراء في هذا الشأن.
وعليه ، فان الرد على رسالة القوات اللبنانية سيكون من خلال التمسك بتنحية المحقق العدلي ، من منطلق ان لا عدالة استنسابية وانئقائية كما ان لا عدالة غب الطلب للتوظيف السياسي، خصوصا وان الرئيس سعد الحريري كان طرح موضوع رفع الحصانة عن الجميع ومهما علت المقامات، وهو ما أعاد بيان رؤساء الحكومة السابقين توكيده في بيان نوعي اصدروه يوم الجمعة الماضي تعليقا على احداث الطيونة.
اما الهدف الثالث الذي أرادت القوات اللبنانية تحقيقه فهو زيادة الشرخ بين حلفاء ما يسمى الأكثرية الحاكمة التي تقف وراء الحكومة الحالية ،ولا سيما بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، وبذلك تكون قد ضربت اكثر من عصفور بحجر واحد لا سيما بعد تصريحات جبران باسيل الرافضة لتنحية البيطار ، وتباين الموقف في هذا الشأن بين تياره وبين قيادة الحزب، محاولا بذلك الظهور امام الولايات المتحدة والغرب بموقف متمايز.
وهذا الامر أراد منه جعجع احراج التيار في ظلاحتدام الصراع المسيحي – المسيحي لا سيما قبل اشهر قليلة من اجراء الانتخابات النيابية التي يعّول رئيس حزب القوات عليها من منطلق ان الشارع المسيحي سيعطيه الكثير مما كان يعطيه للتيار الوطني الحر.
ومع ان حزب الله مهتم فعلا بعدم تعرض حليفه للمزيد من الخسائر ،السياسية والشعبية ، فان تخبط التيار ورئيسه جبران باسيل وغرقه في البحث عبر شعبوية مبالغ فيها عن مكاسب" ثانوية " بدا معهما وكأن صهر الرئيس سقط في الفخ المنصوب له من قبل خصمه اللدود سمير جعجع.
وعليه ،فان قطع الطريق على القوات في هذا المضمار لا يتم كما تشير المقاربة الواردة انفا من خلال زيادة التباعد والتباين بين طرفي تفاهم مار مخايل بل من خلال توضيح المواقف والنظر الى ما يجري بكل جوانبه ، لان مشهد الشجرة ينبغي ان لا يحجب مشهد الأشجار الأخرى المتصلة بها.
ويمكن بناء على كل ما ورد القول بان لبنان تجاوز الخميس الماضي قطوعا بالغ الخطورة . وما كان يمكن تحقيق ذلك لولا امرين:
ألاول تمثل في التعاطي المسؤول والحكيم من قبل ثنائي حركة امل وحزب الله مع ما جرى من استهداف لتظاهرة سلمية احتجاجية لهما .
اما الامر الثاني فتجسد في تولي الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى مسؤولياتهم في ضبط الأمور والتصدي لمحاولات العبث بالامن والاستقرار والسلم الأهلي ،رغم كل ما قيل عن ثغرات رافقت ذلك .
وفي موازاة هذين الامرين، فان واقعاً جديداً بدأ يكتمل ويتصل بالقوات اللبنانية ،وما يقول المصدر الواسع الاطلاع انه انكشاف لدورها وما تعد له وتضمره في مرحلة عمل جديدة يبدو انها بدأتها في محاولة منها لتسويق نفسها في الداخل وامام الخارج.
والجديد على هذا المستوى هو انها باتت اليوم تحت المجهر في كل خطوة تخطوها، كما يرى المصدر الواسع الاطلاع الذي يدعو الى التوقف ملياً امام ما عبّر عنه صفي الدين في تشييع ضحايا رصاص القنص عندما كان جازما في القول بان دماءهم لن تذهب هدراً. وهو ما ينبغي على رئيس حزب القوات ان يقرأ معانيه جيداً خصوصاً وان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله كان واضحاً ومباشراًوصريحاً في اتهام القوات اللبنانية بالوقوف وراء قتلهم.