النهار
في "زمن التفاوض والديبلوماسية" كما وصفه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من قصر بعبدا مستبعداً الحرب، تعاظمت الرهانات اللبنانية الرسمية والسياسية على تزايد الحركة الديبلوماسية المتصلة بالوضع بين لبنان وإسرائيل، من دون ان تلغي استمرار الحذر الشديد حيال الإمكانات الواقعية والثابتة لتقدم "تفاوضي" جدي ضمن لجنة الميكانيزم يكون كافياً لمزيد من التمديد للفرصة التفاوضية. وتبعاً لما أبرزته "النهار" أمس حيال "التدخل الأميركي الحميد"، أقله ضمن ما يتردد عن مهلة حتى نهاية السنة، للإفساح أمام فرصة إنجاح الميكانيزم المطعمة بمفاوضين مدنيين في إحداث تقدم حيال القضايا الأمنية أولاً، بدا واضحاً أن تلويح السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى أمس بإزالة الأجواء السلبية التي أدت إلى إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل قبل أسابيع قليلة، صبّ في إطارين متلازمين: الأول، بدء تسليط الأضواء على إناطة الدور الأساسي في ملف العلاقات اللبنانية الأميركية وملف التفاوض أيضاً بالسفير عيسى بعد "تعددية" الموفدين بين توم برّاك ومورغان أورتاغوس. والثاني، إبراز قدرة السفير اللبناني الأصل على معالجة العقبات وتدوير الزوايا بما يتلاءم والدور الممنوح له في ظل علاقته الوثيقة المعروفة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأكدت أوساط ديبلوماسية مطلعة أن الجولة الجديدة التي بدأها أمس الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان في بيروت، لا تختلف في أهدافها عن التحركات الديبلوماسية الأميركية، خصوصاً أن باريس تشجعت بتعيين السفير السفير السابق سيمون كرم رئيساً مدنياً للفريق اللبناني العسكري في لجنة الميكانيزم بغية توسيع الإطار التفاوضي للجنة، ويرجح أن تقوم فرنسا بدورها بتعيين ديبلوماسي فرنسي بالإضافة إلى الجنرال الفرنسي الذي يمثلها في الميكانيزم. ويتمحور تحرك لودريان على نقطة مركزية هي السعي إلى استبعاد تدهور عسكري واسع ينجم عن عملية إسرائيلية جديدة ضد "حزب الله " في لبنان، بما يوجب على لبنان مضاعفة الجهد لإنجاز خطة حصر السلاح وتوسيعها بسرعة نحو شمال الليطاني. كما أن لودريان يولي عبر مهمته موضوع دعم الجيش أولوية أساسية، وأفادت معلومات لـ"النهار" أن لقاءً سيعقد في باريس في 18 الحالي ويجمع لودريان ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد السعودي يزيد بن فرحان وقائد الجيش اللبناني للتحضير لمؤتمر دعم الجيش المرتقب في مطلع السنة المقبلة.
وقد استهل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان نشاطه في لبنان بعد وصوله عصر أمس من قصر بعبدا، حيث التقى، يرافقه السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، رئيس الجمهورية جوزف عون قبيل سفر عون ووفد وزاري مرافق اليوم إلى سلطنة عمان. وأفادت معلومات بعبدا الرسمية أن لودريان أثنى على خطوة رئيس الجمهورية بتعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد المفاوض في لجنة الميكانيزم، وجرى خلال اللقاء البحث في التطورات الميدانية في الجنوب والمستجدات الداخلية إضافة إلى التحضيرات لإمكان انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني المفترض عقده بداية السنة المقبلة.
وسيلتقي لودريان اليوم الثلاثاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، كما ستكون له لقاءات سياسية، إذ يزور معراب مساء فيما سيجمع عشاء تقيمه السفارة الفرنسية عدداً من النواب والسياسيين مع الموفد الفرنسي.
في غضون ذلك، زار السفير الأميركي ميشال عيسى وزارة الخارجية والتقى الوزير يوسف رجي بعد اجتماع رباعي، غداة موقف نُقِل عن توم برّاك من أن السفير لدى لبنان ميشال عيسى سيتولى مهمة إقامة حوار مباشر بين لبنان وإسرائيل غير حوار الميكانيزم. وكشف السفير عيسى اثر زيارته لوزير الخارجية وجود "اتصالات لعودة زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن". وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ "الزيارة ستتم"، قال إن "الأمور تصبح أوضح بالنسبة إلى زيارة قائد الجيش لواشنطن، ولكن لا شيء محدّدًا حتى الآن". ورداً على سؤال أشار إلى أن "لا علم لديه في شأن ضم سوريا ولبنان". وعن اجتماعات الميكانيزم، قال: "لم ننتظرالسلام من الاجتماع الأوّل، فعلى الأطراف أن تلتقي ومن ثم يقدمون على الطاولة ما يمتلكون".
والتقى السفير عيسي أيضاً وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار في زيارة تعارف جرى خلالها عرض للتطورات والتحضيرات الجارية لإنجاز الاستحقاق الانتخابي المقبل.
ولفت ما أكده البطريرك الراعي بعد لقائه الرئيس عون في قصر بعبدا أمس من "أننا في زمن التفاوض وفجر السلام حط رحاله". وأكد أن "الجيش اللبناني يقوم بعمله في جنوب الليطاني"، موضحاً أنه "لا يتخوّف من وقوع حرب"، ومشيراً إلى أن "الأميركي يمون على الإسرائيلي ونحن في زمن التفاوض والديبلوماسية". وأكد في السياق أن "المباشرة بالمفاوضات علامة جيدة والسفير كرم شخصية ممتازة للمهمة". وقال إن "رئيس الجمهورية فوق الجميع وحتى البطريرك، ولا توجد هوة بيننا، ونحن نفرح بفجر السلام بعد زيارة البابا".
وعلى صعيد الدعم الدولي للجيش اللبناني، أفادت وكالة رويترز أنها اطّلعت على وثيقة تظهر أن الاتحاد الأوروبي يدرس خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي اللبناني لتخفيف العبء عن الجيش اللبناني حتى يتسنى له تركيز الجهود على نزع سلاح "حزب الله". وقالت الوثيقة، التي أصدرتها الذراع الديبلوماسية للاتحاد الأوروبي ووزعتها على الدول الأعضاء وعددها 27، إنها ستواصل المشاورات مع السلطات اللبنانية وإن بعثة استطلاع ستتم في أوائل عام 2026 بشأن المساعدة الجديدة المحتملة لقوى الأمن الداخلي في البلاد. وذكرت الوثيقة أن جهود الاتحاد الأوروبي يمكن أن "تركز على المشورة والتدريب وبناء القدرات"، مضيفة أن التكتل لن يتولى مهام قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي من المقرر أن ينتهي تفويضها في نهاية عام 2026 حين يتوقع أن تبدأ عملية تستمر عاما لخفض حجمها تدريجياً والانسحاب من لبنان. وبدلاً من ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي "المساهمة في النقل التدريجي لمهام الأمن الداخلي" من الجيش اللبناني إلى قوى الأمن الداخلي، ما يسمح للجيش بالتركيز على مهامه الدفاعية الأساسية، بحسب الوثيقة. ومن المتوقع أن يضع الأمين العام للأمم المتحدة خطة انتقالية في حزيران 2026، والتي ستعالج المخاطر الناجمة عن رحيل اليونيفيل.
على الصعيد السياسي الداخلي وغداة توجيه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رسالة مفتوحة إلى رئيس المجلس نبيه بري، قال معاون الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل من مجلس النواب إن "إجراء الانتخابات في موعدها مسألة ثابتة". وردًّا على جعجع، قال خليل: "نذكّر جعجع، الذي يتحدث وكأنه مرشد للجمهورية، بأن موقع رئاسة مجلس النواب وصلاحية الدعوة إلى الجلسات دستورية وقانونية، ولا تقبل المصادرة أو الوصاية من أحد، ولن نسمح لأي جهة بمحاولة التأثير عليها". وقال إن "ما يجري ليس تصويبًا تقنيًا بحتًا، بل محاولة لاستغلال لحظة سياسية". أضاف: "من يريد تعطيل الانتخابات هو من يحاول ربطها بشروط جديدة. ونذكر الدكتور جعجع أن كتلة القوات من عطلت النقاش في إقتراح لتعديل قانون الانتخابات. نذكر جعجع بأن صلاحية رئيس المجلس لا تقبل المصادرة".
