هل تُفتح جبهة دمشق – قسد؟ صراعٌ صامتٌ يقترب من الانفجار
ليون سيوفي — باحث وكاتب سياسي.. مرشّحٌ سابق لرئاسة الجمهورية
في زوايا الجغرافيا السّورية المنسية، وتحديدًا في الشّمال الشّرقي، ثمّة ما يُطبخ على نارٍ هادئة. ما بين ارتباكٍ أميركيٍّ، وضغطٍ تركيٍّ، وتقدّمٍ روسيٍّ محسوب، يقف المشهد السّوري أمام احتمالٍ جديد: فتح جبهةٍ مباشرةٍ بين قوات الأمن السّورية (الجيش والأجهزة) وبين قوات سوريا الدّيمقراطية (قسد).
ألاحتمال الّذي كان حتّى الأمس القريب يُعدّ مستبعدًا بسبب وجود القوات الأميركية، بات اليوم أكثر واقعية، بل وربما محتّمًا، في ظلّ تغيّر المعادلات الإقليمية وتحوّل ميزان المصالح الدّولية.
تركيا اللّاعب الّذي يُحرّك بلا أن يَظهر، منذ سنوات، تخوض تركيا صراعًا مفتوحًا ضدّ الامتداد الكردي قرب حدودها الجنوبية، وتعتبر قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. لكن أنقرة، الّتي استنزفت قواتها في عمليات “نبع السّلام” و”غصن الزّيتون”، باتت تدرك أنّ إضعاف قسد لم يعد يمرّ فقط عبر النّار التّركية، بل من خلال تحريك الخصوم الدّاخليين للقوة الكردية، وفي مقدّمتهم النّظام السّوري.
وهكذا، ظهرت معادلةٌ جديدة، لماذا لا تقوم دمشق بالمهمة نيابة عن أنقرة؟
ولماذا لا تفتح جبهة “محلية” تُنهي مشروع الإدارة الذّاتية، بينما تحتفظ تركيا بالقدرة على ضبط الإيقاع والخرائط؟
موسكو الغطاء الجوّيّ للمُعادين للانفصال...
في الكواليس، لا تُخفي موسكو رغبتها بإعادة بسط سلطة الدّولة السّورية على كامل الجغرافيا، بما في ذلك مناطق الإدارة الذّاتية. فالمشروع الكردي الّذي بدأ بدعمٍ أميركيٍّ بات عبئًا على التّوازن الرّوسي، ويعرقل التّسويات السّورية الّتي تراها موسكو ضروريةً لإنهاء النّزاع.
من هنا، تُشجّع روسيا النّظام على التّحرّك تدريجيًا ضدّ قسد، ضمن خطّة استعادة المناطق دون استفزاز ٍمباشرٍ للقوات الأميركية، ودون توسيع الحرب مع تركيا.
واشنطن الصّمت الّذي يشي بالتّخلّي فالإدارة الأميركية المنقسمة داخليًا بشأن جدوى البقاء في سوريا، بدأت تُظهر ملامح الانسحاب المعنوي قبل العسكري. ألدّعم لقسد مستمرٌّ نظريًا، لكنّه يتراجع في الواقع، لا ردّ على الغارات التّركية، ولا حماية من التّوغّل الرّوسي، ولا تغطية في ملفات التّفاوض مع دمشق.
هذا الصّمت لم يكن عفويًا، بل هو جزءٌ من إعادة تموضعٍ استراتيجيٍّ أميركيٍّ أوسع في المنطقة، يضع قسد أمام سؤالٍ وجوديّ، من سيحميها إذا غابت المظلّة الأميركية؟
دمشق العائدة من بوابة التّآكل الكرديّ فالنّظام السّوري، الّذي صبر طويلًا على مشروع الإدارة الذّاتية، يُدرك أنّ اللّحظة بدأت تنضج. قسد منهكةٌ سياسيًا، منقسمةٌ داخليًا، ومرفوضةٌ من كثيرٍ من العشائر العربية، وفوق كلّ ذلك، تتآكل شرعيتها في مناطقها بسبب التّوتّرات الاقتصادية والضّغط التّركي.
دمشق، بدعمٍ روسيٍّ وموافقةٍ ضمنيةٍ من أنقرة، تتحرّك عبر خلاياها الأمنية، عبر العشائر الموالية لها، وعبر حرب استنزافٍ ناعمة، تمهيدًا لمواجهةٍ مفتوحةٍ قد تُعلن في أيّ لحظة.
إنطلاقًا من ذلك، فإنّ “قسد” تؤمّن لإسرائيل ثلاث فوائد رئيسيّة، إشغال الجيش السّوري في الشّرق وعدم تركيزه على الجبهة الجنوبية مع إضعاف النّفوذ الإيراني في تلك المناطق وفتح الباب أمام تقسيمٍ فعليٍّ أو فيدراليٍّ لسوريا، وهو ما يتقاطع مع التّصورات الإسرائيلية لتفكيك دول المنطقة..
وبينما يُتابع العالم تطوّرات الحدود الجنوبية للبنان، ومصير المعارك في غزة، وما يحصل في السّويداء تُرسم في شرق سوريا ملامح مواجهةٍ كبرى قد تُعيد رسم توازنات البلاد. إنّها مواجهةٌ بين الدّولة السّورية والمشروع الانفصاليّ الكرديّ، بمباركةٍ من موسكو، وتنسيقٍ غير معلنٍ مع أنقرة، وصمتٍ ثقيلٍ من واشنطن...
والسّؤال الأهمّ هل ستُفتح الجبهة؟
متى، وأين ستكون الضّربة الأولى؟