تبدو الأمور مؤجلة للبت في الاستحقاق الرئاسي وتتقدم عليها «ضبط» اتفاق وقف إطلاق النار بالضغط على إسرائيل للالتزام بما هو مدرج في الاتفاق.
وتوازيا، فإن انتخاب رئيس للجمهورية يدخل في صلب الاتفاق، لجهة وجود سلطة مركزية لبنانية تمسك الأمور في البلاد عبر المؤسسات الدستورية.
وكشفت مصادر لـ «الأنباء» عن الزيارة المرتقبة لمبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الوسيط الدولي أموس هوكشتاين، عن أنها ستتم بين 6 كانون الثاني المقبل والثامن منه، ليغادر هوكشتاين قبل يوم واحد من الجلسة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري في التاسع منه لانتخاب رئيس للجمهورية.
العنوان الأساسي لحضور هوكشتاين إلى بيروت يندرج تحت بند مشاركته في اجتماع اللجنة المكلفة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار في الثامن منه. ويحضر الموفد الأميركي بقناعة من الإدارة في بلاده، مفادها أن إسرائيل لا تتقيد بالحد الأدنى من مضمون الاتفاق، وهي بالتالي لن تنسحب من الأراضي اللبنانية التي توغلت إليها قبل وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي، ثم وسعت انتشارها مستغلة انكفاء مقاتلي حزب الله، ومضت في محو معالم القرى والبلدات الحدودية بالتفجير والتجريف.
ويأتي حضور هوكشتاين ليقف بنفسه على تصلب مندوب إسرائيل في اللجنة وعدم التزامه بأي تعهد، مشيرا بكل وضوح إلى تعليمات من حكومة بلاده في هذا الخصوص.
وبما أن انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية متعثر، ومرتبط ضمنا بشق يتعلق بتعهدات لبنانية في اتفاق وقف النار، سيحاول هوكشتاين العمل على حلحلة في هذا الملف. ولم تجزم مصادر لـ «الأنباء» رغبة هوكشتاين في كشف كلمة السر الأميركية أمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلا أنها تناولت العلاقة الشخصية الجيدة بين بري ومعاونيه مع الموفد الأميركي.
كذلك أشارت المصادر إلى أن هوكشتاين «مهندس» اتفاق وقف إطلاق النار، مكررة عبارته الشهيرة من أن طرفي النزاع لبنان وإسرائيل لم يأخذا بنصائحه التي وجهها منذ بدء «حرب إسناد غزة» التي أطلقها حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023.
في عطلة الميلاد في بيروت غابت السياسة وحضر الوضع الجنوبي بقوة مع تزايد الخروقات الإسرائيلية.
وفيما تماطل إسرائيل بتنفيذ الانسحاب من الأراضي اللبنانية، فإنها ترمي المسؤولية على الجانب اللبناني وتتذرع ببطء انتشار الجيش اللبناني. في حين أكدت الدولة اللبنانية عبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، بعد زيارتهما المناطق المتقدمة في الجنوب، على التزام لبنان بتنفيذ الاتفاق بجميع بنوده دون إبطاء.
وتحدثت مصادر لـ «الأنباء»، عن تحرك لبناني في مواجهة الاستفزاز العدواني الإسرائيلي المتعمد على خطين:
الأول من خلال لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق. وفي هذا الإطار كان طلب رئيس الحكومة الاجتماع إلى ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا بحضور قائد «اليونيفيل» وممثل لبنان في اللجنة بهدف إلى جانب قائد الجيش، ووضعهم أمام الأخطار التي تمثلها المماطلة الإسرائيلية بتنفيذ الانسحاب مع الاستمرار في الأعمال العدائية التي تتجاوز كل الحدود، مشيرا إلى أن استمرار هذه الممارسات يضع لجنة الإشراف على الاتفاق أمام مسؤوليتها.
وعلى الخط الثاني، فإن الحكومة اللبنانية تتحرك بالتوجه إلى الأمم المتحدة لمطالبتها بممارسه الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وتنفيذ الاتفاق، من خلال تقديم وزارة الخارجية بشكوى إلى مجلس الأمن تشير فيها إلى قيام إسرائيل بـ 816 خرقا بريا وجويا خلال أقل من شهر، وأن معظم هذه الخروقات تخالف شروط الاتفاق الذي يحصر التحرك خلال مهلة الـ 60 يوما في البحث عن الأسلحة والبنى التحتية العسكرية. فيما تقوم إسرائيل بالاعتداء على المدنيين خطفا وقتلا، وبتدمير المنازل وانتهاك السيادة اللبنانية على كل المستويات.
وأحدث الانتهاكات استهداف غارة إسرائيلية منزلا في سهل طاريا مجاورا لضفاف مجرى نهر الليطاني غرب مدينة بعلبك، لم تسفر عن «وقوع إصابات»، في «خرق جديد» لاتفاق وقف إطلاق النار، حسبما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
وأفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس، بأن الغارة استهدفت «مستودعات في سهل بلدة طاريا يعتقد أنها تابعة لحزب الله».
وعاد الكلام عن ملحق اتفاق وقف النار الذي تناول اتفاقا فرعيا بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يمنح الأخيرة حق الدفاع عن النفس بمواجهة ما تعتبره أخطارا تتهددها. وقد تتذرع إسرائيل بهذا الملحق في حال سؤالها عن أسباب اللجوء إلى العمل العسكري خارج الجنوب.
سياسيا، ورغم انشغال الجميع بعطلة عيد الميلاد حضر الملف الرئاسي في العظات الدينية واللقاءات التي تفرضها المناسبة.
وقالت مصادر نيابية لـ «الأنباء»: «ان عجز الأطراف السياسية والكتل النيابية عن الاصطفاف حول مرشحين قويين تذهب بهما إلى جلسة التاسع من يناير، يظهر الخشية من الالتزام بمرشح معين يعاكس كلمة السر المنتظرة، وكل فريق ينتظر من الآخر كشف أوراقه أولا».
وتابعت المصادر: «ان تزايد عدد المرشحين بين الحين والآخر، سواء عن قصد أو عن غير قصد، يهدف إلى تشتيت الأصوات بين الكتل والمرشحين وإبعاد التوافق حول مرشح جامع، وصولا إلى محاولة تأجيل الانتخابات وعدم الذهاب إلى معركة ديموقراطية يخرج بنتائجها رابح وخاسر بالأصوات، ويكون الجميع فيها رابحين من خلال وضع حد للشغور الرئاسي الذي أنتج الكثير من الأزمات التي تحتاج إلى حلول لا تحتمل الانتظار».
وقد ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي قداس الميلاد في كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي. وحضر النواب جبران باسيل، إبراهيم كنعان، وعدد آخر من النواب، إلى مدير الأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، مدير المخابرات في الجيش العميد انطوان قهوجي، رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم ومسؤولون آخرون.
وتلا الرسالة مدير الإعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا.
وقال الراعي: «نتطلع إلى يوم التاسع من شهر يناير المقبل، حيث يقوم المجلس النيابي بانتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور سنتين وشهرين من الفراغ المخزي، إذ كيف تركوا البلاد من دون رأس فتعثرت المؤسسات الدستورية: المجلس النيابي فقد صلاحية التشريع لكونه أصبح هيئة ناخبة، ومجلس الوزراء فقد الكثير من صلاحياته وانقسم على ذاته، وجميع التعيينات إما كانت بالإنابة أو لم تحصل. ونأمل أن يصار هذه المرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، مؤهل لصنع الوحدة الداخلية، ولتحقيق اللامركزية والإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي – الاجتماعي، ولضبط إيقاع قيادة الدولة وعملها وتفعيل مؤسساتها، والتواصل مع الدول الفاعلة».