أزمة القيادة السياسية في لبنان: تحولات النضال الشريف وتراجع الديمقراطية


إخــوة النضال الشريف  
إخوتي في النضال الشريف لا شكّ أن لبنان الجمهورية (جمهورية العام 1920) التي أسستها البطريركية المارونية في ذاك الزمان عرِفَ محطات إزدهار كبيرة وإستقرار إقتصادي ومالي وحتى سياسي أمني ، وكانت هناك العديد من المحاولات لوضع أسُسْ جديدة لتطوير كل مؤسسات هذه الجمهورية لتواكب العصر ، ولكن للأسف منذ العام 1975 ضاعت البوصلة حين فقدتْ المارونية السياسية جوهر عملها السياسي الفكري وحين تمّ إضطهاد بعض مسؤوليها ومنهم على سبيل المثال لا الحصر العميد ريمون إده ، فمنذ التاريخ المذكور أعلاه لم نستطع أن نرسِّخْ هذه الأسس الوطنية البنيّوية وما يرافقها من مواطنة صالحة وأبسط حقوق الإنسان ، ولن أدّعي أنني أبتكر شيئًا معينا ولكن سأكتفي بهذه الأمثلة عن واقع الحال لأشير مرور الكرام إلى ما وصلنا إليه اليوم مارونيا حيث ينحصر "الفكر الماروني " بكم مقعد في ما بات يُعرف ب"مجلس الدُمى" وبعض مقاعد الطلبة في الجامعات الخاصة التابعة للرهبانيات المارونية ... يا خجلة الحاضر من عظمة الماضي.
إخوتي في النضال الشريف الواقع السياسي الحالي الماروني خاصة والمسيحي عامةً يؤكد أنّ من هم في مركز القيادة زمنيين وروحيين فشلوا في تثبيت قواعد الجمهورية ولا سيما بعد الأحداث الدموية التي حصلتْ في أواخر الثمانينات والتي أفضت إلى إقرار وثيقة الوفاق الوطني تحت وهج مدافع المسيحيين ، والنتيجة أنهم وبالممارسة وعمليا فشلوا من خلال أدائهم السياسي في الحكومات والمجالس النيابية في تثبيت أبسط قواعد الديمقراطية البرلمانية وأدخلوا إلى الندوة النيابية أشخاصا غير كفؤين لا يحملون الخبرة التشريعية بل للأسف إشتروا المقعد النيابي بأموالهم تحت ستار " مصاريف لائحة" وأصبحوا أسرا أمراء الطوائف والمذاهب وإنفصلوا عن واقع شعبهم الرازح تحت وطأة الجوع ومن ثمّ الهجرة المأبدّة ، وأضحوا ألعوبة بين أيدي ومصالح وأجندات إقليمية ودولية "وإللي عندو غير هيدا التوصيف يتفضل يناقشنا لأنو نحنا ديمقراطيين".
إخوتي في النضال الشريف تاريخيا كان هناك تأثيرا ناصريا أدى إلى إضمحلال السيادة الوطنية مع بروز هيمنة السلاح الفلسطيني ما بين الأعوام 1968 و 1982 ، وصولاً إلى التدخل السوري بمباركة دولية نتيجة ضعف ووهن قادة مسيحيين لم يقرأوا العمق السياسي لمنظومتهم السياسية التي أوصلتنا إلى إبتكار "نظام الميليشيا الفتّاك" إلى تسلط النظام الإيراني بعد ظهور القرار 1559 الذي ألزم النظام السوري دوليا على الإنسحاب من لبنان ،(هنا على هامش هذا القرار ، لقد عرفتْ جماعة الممانعة اللعب على هذا الوتر وعَلِمتْ بضعف بعض قادة الرأي المسيحيين وجنوحهم السلطوي فتوجهوا إليهم وأقنعوهم بلعب دور سياسي معين تحت ستار ( منعطيكم رئاسة الجمهورية ، بس بتعملوا متل ما بدنا ، وهيك حصل ) ومن هذا المنطلق إختلّت التوازنات الداخلية وتعطّلت المؤسسات الدستورية وإنتهكتْ السيادة الوطنية وتعثر قيام ما تبقى من مؤسسات ولليوم لا إنتخاب رئيس للجمهورية والفراغ يطال كل مؤسسات الدولة ، ويأتينا من يبكي وينوح ويُطالب بإنتخاب رئيس للجمهورية ولكن أي رئيس تريدون ؟ ومن هم الشركاء مع هذا الرئيس ؟ وما هو شكل هذه الحكومة ؟ ومن هم وزرائها ؟ عمليا هناك تعطيل للمؤسسات وإختلال في التوازن الداخلي وهذا ما يجعل لبنان ساحة لتدخلات خارجية وساحة صراع ، وقادة رأي زمنيين وروحيين غير قادرين على المواجهة وإسمحوا لي القول وعذرا "إنهم يتآمرون على الوطن والشعب ".
إخوتي في النضال الشريف لا أكشف سرا عندما أقول للمرة الألف إننا نعيش أزمة غير مسبوقة على كل المستويات الوطنية والأمنية – الإقتصادية – المالية – الإجتماعية – التربوية – الصحية وقبلها أزمة أخلاق عند قادة الأمر الواقع ، وكل هذه الأمور تُنذر بإنهيار كلي وعلى كافة المستويات جراء تقاسم السلطة بين قادة الأمر الواقع وفي ظل سكوت رجال الدين وإنصياعهم الأعمى وسط ظواهر غير مسبوقة في الفساد الخُلُقي والديني والجهل والتعنّت والخفة في تحمل المسؤوليات .كل ذلك يحصل نتيجة تراكم الفشل السياسي في مقاربة المشاكل التي تتفجّرْ وتتم معالجتها بتسويات خاطئة وظرفية ومبتورة ، وهذا ما يخلق تعقيدات إضافية عوض إعتماد الحلول الجذرية العلمية الموضوعية .
                                                     
الدكتور جيلبير المجبِّرْ  
 
                   
 
                                                                        فرنسا في 9 أيار 2024