كتبت النهار:
دخلت ازمة الودائع المصرفية عامها الخامس، مستنزفة اكثر ممثليها في عمليات اقتطاع ممنهجة قضت في معظمها على اصحاب الحسابات والمدخرات الصغيرة، فيما لا تزال الحكومة وحتى المجلس النيابي يتهربان من تحمل مسؤولياتهما تجاه المودعين. وبعد أعوام من اشغال الناس في مرحلة اولى باسقاط صفة الديون عن تلك الودائع ووضعها في خانة الخسائر المالية، كان الإشغال الثاني بالخلاف حول تحديد حجم الخسائر وتوزيعها، لتنتقل الأزمة اخيراً، وبعدما نفضت الدولة يدها بالكامل من مسؤوليتها، ليس فقط في اعادة الاموال التي اقترضتها من المصرف المركزي ليعيدها بدوره إلى المصارف لتعيدها إلى المودعين، ومن مسؤوليتها في احالة مشاريع القوانين الرامية إلى تنظيم الوضع، تمهيداً لقيام السلطة التشريعية بدورها في اصدار التشريعات التي تحمي الودائع بعد ان أطلق رئيسها شعار "قدسية الودائع"، خرجت الحكومة اخيراً بمشروع لقيط ترفض اي جهة تحمل مسؤوليتها في إعداده، ولكل منها اسبابها وحساباتها.
وبقطع النظر عن تلك الحسابات او الاسباب، فإن واقع الامور بلغ مرحلة التهديد بتطيير المشروع الهجين، بعدما طارت جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، وتم تأجيل البحث فيه في جلسة امس، بعدما سُحب من جدول الأعمال، لإتاحة المجال والوقت امام الوزراء لدرسه وابداء ملاحظاتهم عليه، علماً ان بعض هؤلاء كان اما رفضه كوزير الاقتصاد امين سلام، او وضع ملاحظاته كنائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، فيما يتريث آخرون في إبداء الرأي في انتظار تبين النيات الجدية والتوجهات الحقيقية من ورائه، رغم انه كان هناك تفاهم بين رئيسي المجلس والحكومة على انجازه، ما لبث ان سقط بمجرد تنصل حاكم المصرف المركزي بالانابة وسيم منصوري منه، وسط تردد معلومات انه تلقى اتصالاً من عين التينة يدعوه إلى عدم تحمل مسؤوليته.
هذا المشهد بات يحتم على الحكومة حسم الخلاف وتحمل مسؤوليتها، أقله في الشكل ان لم يكن في المضمون. ذلك انه لا يمكن لمجلس الوزراء ان يدرس مشروعاً لا يتبناه وزير الاختصاص، حتى لو لم يكن هو من اعده، كما كان الحال بالنسبة إلى مشروع القانون المعروض على الطاولة تحت عنوان "معالجة اوضاع المصارف في لبنان واعادة تنظيمها" الذي اعده المصرف المركزي بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف وأحاله على الحكومة لإبداء الملاحظات عليه وإعداده ليرفعه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الى رئاسة مجلس الوزراء لادراجه على الجلسة. وقد شارك فريق رئيس الحكومة ولا سيما المستشار الاقتصادي الوزير السابق نقولا نحاس في وضع بعض الملاحظات والتعديلات.
وتكشف مصادر سياسية ان المشروع في صيغته الراهنة لا يمكن اي يمر في اي شكل، خصوصاً وانه يكرس شطب الودائع من خلال الاقتراحات التي أوردها. كما ان المصارف لن توافق عليه لأنه يعني عملياً تصفية غالبيتها. ولذلك تحاول ان تكرس حق الودائع لتضمن حقها في البقاء والاستمرار. علماً ان ثمة رأي يقول بأن المصارف هي من تقف وراء تعطيل اقرار المشروع وليس السلطة السياسية فقط.
وفي استيضاح المصارف حول هذا الموضوع، يرد محامي جمعية المصارف اكرم عازوري بالقول ان الجمعية "هي مع اي خطة تقرها السلطة السياسية لمعالجة الأزمة النظامية في النظام المصرفي والنقدي اللبناني، لا بل تشجع السلطة على اقرار مثل هذه هذه الخطة منذ العام ٢٠٢٠". وقال ان الشرط الأساسي لنجاح الخطة في المستقبل هو ان يكون عنوانها احترام الدولة للملكية الخاصة وهو مبدأ منصوص عليه في الدستور، ويشكل ركيزة النظام الدستوري والقانوني اللبناني. اذ في حال أعفت الدولة نفسها من تطبيق المادة ١١٣ من قانون النقد والتسليف من جهة، ولم ترد ما استلفته من مصرف لبنان من جهة اخرى، لن يثق اي مستثمر بالنظام المصرفي اللبناني في المستقبل"، كاشفاً ان الدولة هي التي تسببت بالأزمة الحالي وهي التي خالفت القانون باستدانة ودائع الناس من مصرف لبنان، فلا يجوز لها معالجة خطئها بخطأ آخر مخالف للنظام اللبناني وهو التأميم المقنع للمصارف والودائع. ومخالفة هذا المبدأ الدستوري يعني ان اي مستثمر لبناني او اجنبي لن يثق بالقطاع المصرفي اللبناني، ولن يأتمن اي مودع لبناني على أمواله خشية من تأميمها مباشرة او مداورة من قبل السلطة".
وختم قائلاً " ان جمعية المصارف تقف إلى جانب الدولة في اي خطة تضعها بشرط اعتراف الدولة بإلتزاماتها بتسديد ما استدانته من ودائع الناس، عندما تسمح مواردها بذلك".