أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم السبت ٢٥/١١/٢٠٢٣

 


كتبت النهار 


رغم الحرب الدائرة تستمر الحياة. والحياة دائماً أقوى من الموت. إرادة العيش، والعيش بوفرة ورجاء يغلب الموت، خصوصاً متى اعتبر المؤمنون الموت عبوراً الى قيامة ما، وهو ما يعبّر عنه أهالي الشهداء بتقبّل التهانىء بدل التعزية. لكن انتقاد البعض لاستمرار الحياة يتجاوز التنمّر الى حد قمع حرية الناس في ما يريدون أو يعبّرون، في محاولة لفرض ما يشبه الأحكام العرفية، وسيطرة الرأي الواحد، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي جنّدت لها الاحزاب ما يسمى "الجيوش الالكترونية" لتنظيم الحملات والحملات المضادة وهي تحوي فحيحاً طائفياً بغيضاً، والكثير من خطاب الكراهية. وقد اصابتني اسهمها مع كثيرين غيري ممن عبّروا عن آرائهم بطريقة مختلفة مع احترام الرأي الآخر. ولكن لا يهمّ ما دامت اللعبة مكشوفة، والذي يدرك بواطنها لا يكترث كثيراً.


لكن جوهر الموضوع يبقى الاختلاف في بعض الآراء، والقبول بهذا الاختلاف، وهو أمر حقّ، وواجب الحفاظ عليه، لان حرية التعبير كانت في اساس هذا البلد. يزايد البعض على الآخرين بأنه يموت من أجلهم ودفاعاً عنهم، علماً ان المقاومة خيار، والقتال خيار، والشجاعة خيار، والهروب خيار، والتضامن خيار، والفرح (من غير شماتة) خيار، والسهر خيار، والموت خيار. ولا يجوز الزام الآخر بخيار قد لا يتفق معه، علماً ان كل الاحزاب اللبنانية، الفاعلة على الارض، دفعت دماء من أجل الدفاع عن قناعاتها. وقد أُتّهم من جديد بأني أساوي في ما بينها، بين وطنيّ وعميل للخارج، وفق تصنيف كل حزب لنفسه.


أحبّذ التضامن الوطني والاجتماعي في حده الأدنى. أو على الأقل أفضّل عدم التمظهر لمن لا يريد أن يتضامن إحتراماً لمشاعر الغير ليس أكثر.


لكن الحقيقة ان هذا التضامن لم يكن يوماً متوافراً في لبنان. فالحروب اللبنانية المتنقلة شملت كل المناطق، فيما كان آخرون يكملون أنماط عيشهم المعتاد، ليس لضرورة عدم التضامن الاخوي، بل احيانا بسبب البُعد الجغرافي عن ساحات القتل والدمار. فهل توقفت الحياة في الجنوب عندما كانت زحلة محاصرة وتخضع للقصف والتدمير في الثمانينات؟ وهل توقفت الحياة في البقاع عندما كانت الأشرفية محاصرة وتعيش حرب المئة يوم؟ وهل شعر ابناء الجبل بالقصف الاسرائيلي المستمر على قرى جنوبية؟ ألم يوزع البعض البقلاوة ويتبادلوا التهانئ عندما تم اغتيال جبران تويني وسمير قصير؟


التضامن الوطني واجب، لكنه لم يحصل يوماً، وربما لن يحصل إلا من باب المسايرة والخجل، أي من باب التكاذب الوطني.


الذاكرة ممتلئة ذكريات مؤلمة، حتى لا نقول أحقاداً، والحاضر يعجّ بالقلق على المصير، والخوف من الآخر، ومن ردود فعله، والأهم من نيّاته المبيّتة، فتترجَم هذه المشاعر بخطاب كراهية وأحكام وتهم بالعمالة.


الاسبوع الماضي انطلقت حملة على البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ثم انطفأت بكبسة زر، من دون ان يعرف مطلقوها أو الذين اُمروا بوقفها، انهم تحوّلوا ادوات ليس أكثر، لا قيمة فعلية لهم إلا بقدر التزامهم طاعة أُولي الامر. وهذه الحملة واحدة من عشرات في كل اتجاه ومن كل لون.


قد يكون وقف الحروب الالكترونية والتزام الصمت اكثر احتراما من الكلام المشبع كراهية، لانهما يحفظان الودّ، ويخففان الاحتقان، ويساعدان في تراكم مشاعر التضامن الوطني. فما يجري حاليا على صفحات التواصل الاجتماعي لا يفيد ولا يقدم شيئاً إلا تعميق الانقسام الذي يفيد منه كل أعداء لبنان.