كتبت النهار:
ما حدث في منطقة الدورة ليل الخميس – الجمعة الماضيين يجب أن ينبّه جميع اللبنانيين الى خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان. فبصرف النظر عن الخلفيات "اللبنانية" التي أدّت الى نشوب حرب شوارع غير مسلحة بين لبنانيين وسوريين، يمكن القول إن المسألة أماطت اللثام عن حجم الاحتقان الكبير الذي يتحكم بالمواطنين اللبنانيين حيال موجة النزوح السوري الأخيرة. فمشكلة تافهة بين مواطنَين لبنانيَّين تطوّرت الى صدام لبناني - سوري في الشارع. وكادت تتمدّد الى أحياء أخرى في بيروت وضاحيتها الشمالية، أي في قلب المناطق المسيحية. وهذا وجه الخطورة في ما يجري التحضير له.
ثمة "شغل" في البلاد أساسه "فوبيا" هذه الموجة المشبوهة من النزوح السوري المنظم على جانبي الحدود. موجة محميّة من قوى سياسية ميلشياوية داخلية في لبنان يراد منها أن تأخذ البلاد الى صدامات دموية بين مواطنين لبنانيين وآخرين سوريين. ففي ضوء هذا الغزو البشري الذي يتعرض له لبنان، ترتفع الأصوات في كل مكان داعية الى إجراءات ميدانية فورية في جميع البلديات والقرى والأحياء. وأهم الإجراءات هو بناء شبكات أمن ذاتي في كل مكان، تقوم مقام قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية العاجزة عن اتخاذ قرار وإجراء لتطبيق القوانين اللبنانية. لكن هذا المسعى يصطدم بواقع البلد الهش. فمحاولة قيام القرى والبلدات والأحياء في المدن بوظائف أمنية هي أصلاً من اختصاص القوى الأمنية الرسمية فيه مجازفة كبيرة من أن تنزلق الأمور في أمكنة عدة الى صدامات دموية لا تُحمد عقباها.
صحيح أن الجيش اللبناني يقوم بما عليه محاولاً ردّ ما أمكن من موجة النزوح الحالية (وهي غير مبررة إطلاقاً). لكن الصحيح أيضاً أن إمكانيات الجيش محدودة والقرار السياسي الجدّي مفقود، والانقسام اللبناني حاضر في تفاصيل الإجماع على رفض النزوح السوري الضخم الى لبنان. وللعلم ثمة جهات معروفة تسهم في تنظيم النازحين وتهريبهم عبر الحدود، وفي الوقت عينه ترفع شعارات رفض دخولهم، داعية الى فتح البحر أمامهم ليغرقوا أوروبا، فتعود الأخيرة لتتوسّل لبنان والأهم النظام في دمشق!
كنا في مقال سابق هنا قبل بضعة أسابيع حذرنا من خطرين داهمين يتربصان بلبنان: الأول هو موجة النزوح السوري التي يعدّ لها النظام بالتواطؤ مع حلفائه في الإقليم ولبنان... والثانية تنامي فكرة الأمن الذاتي، أولاً بسبب الخطر الآتي من السلاح غير الشرعي. وثانياً بسبب موجة النزوح السوري الجديدة. ويقيننا أننا بلغنا مرحلة إغراق لبنان بموجة نزوح جديدة أكثر خطورة من التي سبقت. ومن الآن فصاعداً سنشهد تنامي الأمن الذاتي في كل مكان، بمعنى أن لبنان سيتحول الى مجموعة جزر أمنية يهيمن عليها "حزب الله" كقوة قاهرة متفوّقة على الجميع. هكذا يصبح الحزب المذكور ناظماً أمنياً وسياسياً طاغياً على وظائف الدولة الشرعية التي تتهاوى تحت ضرباته.
في ما يتعلق بالنزوح السوري إننا نتخوف من الأسوأ: لقد بات قريباً اليوم الذي سنعيش فيه حدثاً أمنياً دموياً شبيهاً ببوسطة عين الرمانة السيّئة الذكر.
حمى الله لبنان من تآمر الخارج وتواطؤ الداخل