بعد مرور أسبوع على تنفيذ حركة "حماس" هجومها على غلاف غزة واستهداف المستوطنات الإسرائيلية تلقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة "حزب الله" أكثر من رسالة من دوائر أميركية وأوروبية تحذر من دخول لبنان في هذه المواجهة المفتوحة التي لا يُعرف الى الآن كيف ستنتهي وعلى أي وقائع وتبدلات على الأرض.
وفي ظل هذه المناخات المتبادلة بين الجهات المعنية المحلية والخارجية بعد عاصفة "طوفان الاقصى" يتعاطى المشاركون مع هذا التطور العسكري على أساس أن الحرب الكبرى ستقع في المنطقة ولن تتوقف عند حدود غزة وإسرائيل، إلا إذا نجحت الوساطات الدولية التي لا تعيرها تل أبيب أي اهتمام حتى الآن مع تركيزها على اجتثاث "حماس" وتهديدها "حزب الله" في حال دخوله المعركة في شكل فعلى على نموذج تموز 2006، ولو بقيت المناوشات العسكرية الأخيرة بين الطرفين تحت السيطرة.
وتنقل شخصية لبنانية أن الغربيين وعلى رأسهم الأميركيون لم يوفروا اتصالاً أو توجيه رسالة الى "الثنائي" إلا وتم التركيز فيها على ضرورة عدم انضمام الحزب الى جبهة الحرب وأن من الأسلم تحييد لبنان عن النار والدمار. ودفع هذا الأمر رئيس المجلس الى القول إنه ليس وسيطاً. وكان من الملاحظ أن الخوف من اتساع دائرة الحرب ليس على إسرائيل وقدراتها العسكرية التي تعرّضت لضربة قاسية في غلاف غزة من جهة الغربيين حيال إسرائيل فحسب بل إن خشيتهم تنبع أيضاً من أن تصل الضربات الصاروخية واستهدافها مئات الشركات الاقتصادية والاستثمارية الكبرى في تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى تعمل في قطاع التكنولوجيا والاتصالات والذكاء الاصطناعي والحقول الطبية ويُقدَّر رأسمالها بـ45 مليار دولار أميركي. ويؤكد ديبلوماسي غربي أن "حماس" يمكن أن تستهدف مقارّ هذه الشركات ومكاتبها وستتعرّض لأخطار أكبر إذا دخل "حزب الله" على خط نار هذه الحرب.
وفي ذروة إطلاق كل رسائل التهديد هذه التي وصلت بواسطة البريد الغربي والسريع الى قيادات شيعية ولبنانية أخرى تقول من دون مواربة إن لبنان "سيشهد الجحيم الإسرائيلية" إذا انضمّت المقاومة في لبنان الى هذه الحرب وإن من الصعب عندها على اللبنانيين إعادة إعمار بلدهم وترميمه من جراء ما ستفعله آلة الحرب الإسرائيلية التي لن تتوقف عند حدود ما ارتكبته عام 2006.
وكان من اللافت أن هذه التهديدات لم تصل الى الحزب وحركة "أمل" فقط بل وصلت الى أحزاب وجهات سياسية واقتصادية ومصرفية تدور في فلك السياسة الغربية وتعارض سياسات الحزب ومحور دول الممانعة. ولذلك سارعت بالفعل أكثر من جهة لا تؤيد الحزب الى قرع جرس الإنذار والتحذير من انضمامه الى جانب "حماس" أو تطبيق شعار "وحدة الساحات". وتوقف كثيرون في لبنان عند عملية "حماس" العسكرية إلا أنهم لا يؤيدون اشتراك لبنان في هذه الحرب. وإن كان لبنان حُيّد في حربَي 1967 و1973 عن دول محور الطوق التي قاتلت إسرائيل توجهت أنظار الأخيرة الى لبنان في العقدين الأخيرين بعد تحرير الجنوب في أيار 2000 وبعد مرور أكثر من نصف قرن على آخر حرب لها مع العرب.
ولا يفوّت الأفرقاء في لبنان الذين يؤيّدون المقاومة تداعيات عملية التهويل التي تمارس على البلد في حال دخول الحزب في المواجهة العسكرية الكبرى، ولا سيما إذا تعثرت كل الوساطات القائمة.
وفي خضم بروز كل رسائل التحدي من كل الأطراف يشدد الغربيون على ألسنة ديبلوماسييهم أن إسرائيل تمر في أوضاع أكثر من صعبة وأن فتح جبهة الشمال مع لبنان سيؤدي الى خلق المزيد من القلق في صفوف المستوطنين بعد ضربة غلاف غزة ولن يتمكن هؤلاء في المستقبل من العيش في المستوطنات على الحدود.
وتكمن الخشية عند الإسرائيلي في أن يقدم أبناء هذا المكون الديني على رفض العيش في إسرائيل وتهديد المشروع أو الأفكار التي قامت عليها.
في المقابل يتعاطى الفريق المؤيد للمقاومة بهدوء إزاء كل التحديات التي يعرفها حيث سبق له اختبار هذا النوع من الامتحانات وفي ظروف دولية مماثلة عام 1982 عندما كان الجيش الإسرائيلي في قلب بيروت في تلك السنة التي وُلد فيها "حزب الله".
وفي سياق كل الضغوط جاء الخبر غير المتوقع الذي سقط كالصاعقة على رؤوس اللبنانيين وهو توقف شركة "توتال" عن أعمال التنقيب في البلوك 9 في بحر الجنوب، حيث قالت إن أعمال الحفر أظهرت عدم وجود كمّيات تجارية في هذه البئر. ويستغرب خبراء في استخراج الغاز والنفط هذه الحصيلة السلبية ويشتمّون منها رائحة سياسية، وأنه ليس من حق شركة "هاليبرتون" الاميركية المتعهدة لدى "توتال" بالحفر أن تصدر مثل هذا التقرير الذي كان يجب أن يأتي من "توتال" صاحبة العلاقة "التي تثبت أن قراراتها الكبرى تأتي من واشنطن لا من باريس". وتتجسّد هنا مقولة الدكتور طلال أبو غزالة وهي أنه "ممنوع على لبنان أن يصبح دولة نفطية" فكيف إن كان على حدود إسرائيل.
ومن هنا لم يتقبّل البعض هذه الخلاصة الغازية حيث وُضعت في مربّع ممارسة الضغوط على لبنان وتغليب نظرية المؤامرة.
وفي زحمة ترابط كل هذه الملفات العسكرية والأمنية والنفطية على بقعة زلزالية ساخنة على حدود إسرائيل يردّ قيادي كبير في الثنائي بعد تلقيه كل رسائل التهديد هذه وفي مقدمها من طرف أميركا التي أحضرت حاملة الطائرات "جيرالد فورد" من أسطولها البحري الى المتوسط "نحن نعرف جيداً بلدنا وكيفية الدفاع عنه من أخطار إسرائيل وغيرها". ويضيف "نحن نولد رجالاً ونموت رجالاً".