كتبت الراي الكويتيه
رسّمتْ تحذيراتُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، من «حرب أهلية يدفع إليها البعض في لبنان» وتهديداته بإعادة إسرائيل إلى «العصر الحجري» بحال خاضتْ حرباً ضدّ «بلاد الأرز»، واقعاً بالغ الدقة بات معه الوطن الصغير في «ممر الفِيلة» الإقليمي بعدما «احتُجزت» انتخاباته الرئاسية رهينةً لموازين القوى الداخلية بامتداداتها الخارجية والتي تحكّمت بكل الوضع المحلي منذ 2005 وصولاً إلى تكريس البلد أحد أعمدة قوسِ النفوذ الإيراني الذي تمدّدتْ حلقاته فوق جَمْر ساحات ملتهبة.
هذه القراءة ارتسمت أمس في بيروت وتحديداً لدى أطراف على خصومة مع «حزب الله» اعتبروا «أن استحضارَ نصر الله (في خطابه مساء الاثنين) الحربَ الأهلية في معرض التعليق على ما رافَقَ أحداث الكحالة والمواجهة بين أهالي البلدة وعناصر الحزب الذين كانوا يواكبون شاحنة الأسلحة التي انقلبتْ عند كوعها، انطوى على تهديد ضمني بهذه الحرب بحال اختار البعض المضيّ في التصدّي لمشروعه والخروج من التسليم بتفوّقه وعن المقايضة التي يعتمدها فريق مسيحي (التيار الوطني الحر) بين السيادة والأمن تارةً والمصالح السياسية طوراً»، مع توقُّف هذه الأوساط عند «شمول نصر الله المسيحيين كـ(بلوك) في سياق كلامه عن الحرب الأهلية، ما يعكس إقراراً ضمنياً بما عبّرتْ عنه واقعة الكحالة – التي كان طرفها المباشر الذي أطلق النارَ وسَقَطَ برصاصِ حزب الله أحد القريبين من التيار – من أن البيئة المسيحية بكلّيتها باتت معادية للحزب».
وإذ رأت الأوساط نفسها أن التهديدات المتبادَلة بين «حزب الله» واسرائيل التي توجّه اليها نصرالله بأن «على العدو أن يحسب كم عدد الصواريخ الدقيقة التي تحتاج إليها المقاومة لضرب كل المطارات المدنية والعسكرية وقواعد سلاح الجو ومحطات توليد الكهرباء والمياه ومراكز الاتصالات الرئيسية والبنى التحتية ومصافي النفط ومفاعل ديمونا» إنما «تؤكد المؤكد لجهة عدم إقامة الحزب أي اعتبار للدولة ولا لمصالح الشعب اللبناني وأن قرار الحرب والسلم يبقى رهن مقتضيات مشروعه الإقليمي»، حذّرتْ من الأبعاد الخطيرة لتحميله قناة تلفزيونية وصفها بـ «الخبيثة» مسؤولية «الدم الذي سقط في الكحالة والتداعيات التي كانت لتقع»، بعدما اعتبر أن الأمور «كانت طبيعية، وبقيت الشاحنة ثلاث ساعات من دون أي مشكلة إلى أن بدأت إحدى القنوات بالتحريض فجاء عدد من الشبان واعتدوا على الشاحنة والفريق المواكب لها».
وفي رأي الأوساط أن تحويل الأنظار عن «أصل الشحنة ومرورها في مناطق آمنة وفي ساعة ذروة نهاراً، ورمي المسؤولية على وسيلة إعلامية يشكّل محاولة للهروب إلى الأمام مما عبّرت عنه أحداث الكحالة في جوهرها من أن خطوط إمداده العسكرية لم تعُد بالأمان الذي اعتقد أنه نجح في توفير شبكةٍ له بالربط السياسي (مع التيار الحر) كما الجغرافي (شراء أراضٍ)، مشيرة إلى مواقف عدة صدرت وتندد بتحميل وسيلة إعلامية مسؤولية ما حص في الكحالة وبينها لـ(القوات اللبنانية)التي اعتبرت أن(هذا الأمر تجنٍّ وافتراء)».
وأعلنت «القوات»في بيان «إنّ وسائل الإعلام تتبع الحدث، وما تسبّب بأحداث الكحالة هو وجود شاحنة مليئة بالأسلحة والذخائر وعناصر مسلّحة من حولها، ما أدّى الى ردّة فعل مفهومة من الأهالي، وعندها اندفعت وسائل الإعلام كلّها إلى مكان الحدث لتغطيته، وهذه طبيعة العمل الصحافي الحرّ إلا إذا أراد السيد حسن تحويل لبنان إلى كوريا شماليّة ثانية حيث لا إعلام ولا مَن يعلمون، الأمر المستحيل في لبنان».
وتوجّهت «القوات» إلى نصرالله، قائلة «إذا أردتم، يا سيد حسن، أن ينقل الإعلام عنكم أشياء جميلة فقوموا بأعمال جميلة بدل الاستمرار في الجرائم من عين إبل إلى الكحالة وما بينهما».
وفي موازاة ذلك، استوقف دوائر سياسية السلوك«المدوْزن» لـ«القوات» في ما خص أحداث الكحالة التي قاربتْها «كما هي ومن دون تحميلها أبعاداً تتجاوز تعبيراتها عن انتفاءِ بيئة حاضنة للسلاح في مختلف المناطق المسيحية وعن كونها ردّ فعل أهليّاً على حدَث محدّد ولا حاجة لأخْذها لأبعد من ذلك»، مع إشارتها إلى حرص «القوات» على عدم تضييع الحقيقة في جريمة قتْل عضو المجلس المركزي الياس الحصروني في بلدة عين ابل الجنوبية، والإصرار على الأجهزة الأمنية كشف كل ملابسات خطْفه من سيارتين في منطقة واقعة تحت نفوذ «حزب الله».
رد «القوات»
وقد أعلن رئيس «القوات» سمير جعجع أمس، رداً على استبعاد وزير الداخلية بسام مولوي وجود خلفيات حزبية وراء الجريمة «فليقل لنا الوزير الذي نحبّ ونحترم، فليقل لنا وللملأ على ماذا استند باعتباره أن الجريمة لا خلفيات سياسية أو حزبية لها؟ ومن جهة أخرى كيف يفسر معاليه حصول جريمة منظمة شارك فيها العديد من الأشخاص، بين الخمسة والعشرة، بحسب ما ظهر فقط في بعض الفيديوهات، واستخدُمت فيها عدة آليات، في منطقة يسيطر عليها حزب الله كلياً من الناحيتين الأمنية والعسكرية؟ نحن بانتظار توضيحات وزير الداخلية».
وفي قراءة هذه الدوائر أن «القوات»، التي تقيس مواقفها بعناية، لا تريد ترْك جريمة عين ابل «تمرّ بتمييع سياسي لأبعادها الخطيرة والتي قد تكون موصولة برسائل لها وللمعارضة في غمرة دخول الاستحقاق الرئاسي منعطفاً بالغ الأهمية».
وكشفت الدوائر في هذا السياق، أن المعارضة تكثف اتصالاتها للخروج ببيان موحّد اليوم في ما خص مقاطعة الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري غداً وعلى جدول أعمالها خمسة مشاريع قوانين أبرزها «وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية (كابيتال كونترول) واقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني لإدارة عائدات النفط وذلك في محاولة(لإحراج التيار الحر ورئيسه جبران باسيل الذي قد يوفّر النصاب للجلسة)».
وبحسب الدوائر نفسها فإن باسيل الذي يَمْضي في حواره مع «حزب الله» حول رئاسة الجمهورية «قد يذهب للمدى الأبعد في هذا الإطار أي السير بمرشح الممانعة سليمان فرنجية، فهو بحاجة إلى هذه الصفقة للبقاء سياسياً في أي عهد جديد، وهو ما يوفره له deal مع فرنجية بضمانة حزب الله، كما للبقاء نيابياً بكتلة وازنة في أي انتخابات مقبلة ما يتطلّب الحفاظ على رافعة الحزب في مناطق ثقله».
وإذ تعتبر هذه الدوائر أن من المبكر الجزمَ بما إذا كان تسليم باسيل بخيار فرنجية بعد إنجاز التفاهم على كل البنود سيكون كفيلاً أو كافياً لإيصال مرشح «الممانعة» في ضوء الحاجة إلى «أصوات مكمّلة» تأتي إما من كتل سنية سبقَ أن وقفتْ على الحياد حتى الساعة وإما من الكتلة الجنبلاطية التي يصعب تَصَوُّر انقلابها على رفضها مجيء «صديق بشار الأسد» (كما اعلن النائب تيمور وليد جنبلاط) ولو أن تأييد التيار الحر لفرنجية يُسْقِط حجة افتقاد الأخير للغطاء المسيحي، ناهيك عن إمكان لعب المعارضة ورقة النصاب، فإنها تكشف أن غالبية قوى المعارضة التي دعمت ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور تعمل على ورقة موحّدة ستبلغها إلى الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان حين يعود إلى بيروت الشهر المقبل.
وبحسب هذه الدوائر، فإن الورقة ستتضمن تأكيداً على التزام بيان «مجموعة الخمس» حول لبنان (تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية مصر وقطر) بعد اجتماعها في الدوحة في 17 يوليو الماضي في ما خص مواصفات الرئيس المطلوبة وآلية الانتخاب «وفي هذا إحراج للفرنسي في حال التفكير بأي طروحات من خارج صندوق اللجنة الخماسية، وأيضاً التزام مضامين هذا البيان كمرتكزٍ لحل الأزمة الرئاسية ولأي خطوات أخرى».
وكان بيان «مجموعة الخمس»، أكد أنه «يجدر بالنواب اللبنانيين تحمل المسؤولية بموجب الدستور وانتخاب رئيس. ونظر الممثلون في الخيارات العملية في ما يخصّ تطبيق إجراءات بحق الذين يعرقلون إحراز أي وجه من أوجه التقدم على هذا الصعيد»، مع تأكيد أن «لا بد للبرلمان اللبناني أن ينتخب رئيس قادر على تجسيد نزاهة لبنان وتوحيد الشعب اللبناني ووضع مصلحة البلاد أولًا وجعل رفاه الشعب أولوية وتأليف كتلة واسعة تنفع أكبر عدد ممكن بغية تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الجوهرية ولا سيما تلك التي أوصى صندوق النقد الدولي وذلك من أجل تحقيق طموح الشعب اللبناني وتلبية احتياجاتهم الملحة».
«ظرف فرنسي»
وإذ أشارت الدوائر إلى أن الفرنسيين تبلّغوا من حزب مسيحي معارض بارز «لا تحلموا بأي حوار وفق ما يقترحه فريق الممانعة»، استوقفها ما أوردته قناة «إم تي في»، أمس، من «ان مجلس النواب تلقى ظرفاً من السفارة الفرنسية في بيروت يتضمّن دعوات للنواب للإجابة عن أسئلة في شأن المواقف من الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية سبتمبر».
ونقلت عن مصدر نيابي أن «الظرف الفرنسي فيه مغلّفات موجّهة إلى رؤساء الكتل من دون ذكر أسماء مرشحين تطلب إجابات في شأن المهام المطلوبة من رئيس الجمهورية والمواصفات اللازمة لتحقيقها».
ورأت الدوائر أن مثل هذا التطور الذي يوحي بأن «النواب تلاميذ يجيبون عن أسئلة سفارة»يعكس حجم تحلل المؤسسات والنظرة الخارجية التي تزدري غالبية الطبقة السياسية.
«رد ناعم»
في المقابل، توقفت أوساط أخرى عند كلام نصرالله عن الحوار مع «التيار الوطني الحر»، وقوله «ان المسار إيجابي ويحتاج إلى بعض الوقت لأنّنا نناقش اقتراحات ونصوصاً وصفحات كثيرة، لكنّ الموضوع جدّي ويمكن أن يصل إلى نتيجة، ويحتاج إلى مروحة تشاور وتوافق مع قوى أساسية في البلد».
واعتبرت الأوساط أن باسيل الذي يقترح مقايضة السير بفرنجية بإقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني، تلقى «رداً ناعماً» من نصرالله الذي بدا كأنه«يتوجّه إليه»في معرض قوله «نأمل من النواب ألا يُدْخِلوا موضوع الصندوق السيادي للثروة النفطية والغازية في السجالات السياسية، فهو حاجة ملحة لتكون هذه الثروة لكل اللبنانيين ويستفيد منها كل لبنان لأن هذا الحقل ليس لمنطقة دون منطقة، وليس لطائفة دون طائفة، كل الحقول هي لكل الشعب اللبناني لِيستفيد منها كل اللبنانيين، وأيضاً لِتستفيد منها كل الأجيال الآتية»