كتبت النهار
ليس التشكيك الفوري التلقائي من جانب خصوم "حزب الله" بالمواقف التي يطلقها حيال الازمة الرئاسية ونمطية دعواته المتكررة المعلّبة الى "حوار" يفرض ظروفه القسرية سوى جانب أساسي من جوانب أزمة أعمق وأشمل وأشد اعتمالاً من السباق الشاق القائم على الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية "إن انتُخب". هذا التشكيك، ولو انه ظاهرة سلبية تترتب عليها تداعيات تكبّر الفجوة في علاقات القوى والطوائف والمكونات الداخلية، تبرره وتجعله مشروعا وحتميا عشرات التجارب الصادمة التي خرج ويخرج فيها الحزب المستقوي بسلاحه وقدراته الاستراتيجية والواقعية عن اتفاق الطائف والدستور والأعراف والانماط التي تميز الواقع اللبناني بخصائص أعاد الطائف الروح اليها بعد عقد ونصف عقد من استباحة الحروب للبنان.
تبعاً لذلك نفترض ان كثيرين من خصوم الحزب والمستقلين وسواهم يودّون ان يأخذوا الكلام "القاطع" الأخير لرئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد عن التزام حزبه الحرفي باتفاق الطائف وعدم رغبته أو سعيه اطلاقا الى أي صيغة سياسية جديدة للحكم والسلطة، على محمل الجدية الحاسمة النهائية لان غالبية اللبنانيين، على الأرجح، ومن ضمنهم خصوصا غالبية المسيحيين تحديدا، ليسوا على أي قناعة بان العبث بالطائف سيكون مسلكا امينا آمنا ومضمونا لمستقبل سياسي ووطني افضل وسط الظروف الحالية على الأقل. بل إن تعهدات قاطعة لـ"حزب الله" بالتزام حرفي كهذا للطائف ووجوب استكمال تنفيذه كاملا، اذا ما وجدت طرقا وسبلا حقيقية وواقعية و"صادقة" لترجمتها، ستعني بكل بساطة نهاية ازمة عضوية بنيوية من أزمات تركيب الشراكة اللبنانية المعتلة منذ عبثت بالدستور والنظام والطائف كل أحلام الاثرة والسيطرة والاحادية والتعطيل وما اليها من ممارسات أطاحت الديموقراطية الحقيقية إطاحة ساحقة.
لعلّنا لن نستبق ما يستلزم من انتظار وتدقيق وتريّث في اطلاق الاحكام والشكوك الطبيعية جدا في مواقف "حزب الله" المتصلة بأزمة لعب ويلعب وسيلعب بعد حتما
الدور الساحق الأكبر في إدامتها وإطالتها والتسبب بتداعياتها الخطيرة. نقول التريث سعياً الى عدم إسقاط الشك في دعوات الحزب الى الحوار على موقفه "اللطيف" الآخر المحبب من التزام الطائف لعل وعسى تكون هناك معطيات "مستجدة وطارئة" أملت اطلاق هذا التعهد ولو ان ثمة مواقف سابقة للحزب في ظروف مختلفة كررت المضمون نفسه. اذ ليس خافيا ان "تجديدا" لتعهد الحزب بالتزام الطائف بنبرة توازي تشدد خصومه السياديين في الحرص على ذاك الميثاق الذي صار دستورا يتخذ دلالة جديدة في الظرف الحالي من مقلبين. ثمة مقلب عربي خليجي سعودي تحديدا يمكن القول معه ان الحزب يلاقي ايران او يستجيب لرغبتها في اطلاق ما يريح السعودية حيال اتفاق ميثاقي يحمل اسم مدينتها التي شهدت اعلان نهاية الحرب في لبنان. وثمة مقلب لبناني داخلي يمكن أو نودّ الافتراض انه يتوجه الى رزمة كبيرة متنامية من اللبنانيين المتخوفين على نهاية درامية مفجعة للنظام الدستوري اللبناني في ظل تعطيل الثنائي الشيعي تحديدا كل محاولات الداخل والخارج في وضع نهاية للأزمة الرئاسية قبل ان ينهار الهيكل على رؤوس الجميع. أما في حال انتفاء كل هذه التفسيرات الافتراضية وكان كلام التعهدات حيال الطائف مطابقا للدعوات الى الحوار فالأمر لن يكون "صادما" إلا في زيادة الزائد من هوّة الانقسام وانعدام الثقة المتسعة الى امكنة خطرة جدا. أما اثبات التعهدات فمسلكه واحد: حرِّروا لبنان والطائف من التعطيل فقط