كتبت النهار
تحدّث بعد ذلك المسؤول الأول نفسه في مركز أبحاث أميركي مهم جداً يتابع من زمان قضايا الشرق الأوسط كلها إسرائيليةً كانت أو عربية أو إسلامية سنّية أو إيرانية شيعية، كما قضايا الإرهابيْن الإسلاميين السنّي والشيعي رغم اختلافهما، تحدّث عن الوضع الراهن داخل إسرائيل، قال: "أظهرت التظاهرات الشعبية داخل إسرائيل في الأسابيع الماضية المحتجّة على اليمين المتطرّف في البلاد كما على إصراره على تعديل القوانين المتعلقة بالقضاء لجهة إضعافه وتقوية دور السياسيين فيه بحيث يصبحون قادرين على الالتفاف على أحكامه وتلافي السجن، أظهرت أن الحركة الديموقراطية في إسرائيل لا تزال مهمة. أظهر ذلك أيضاً الجيش العامل كما قوى الاحتياط فيه التي من دون مشاركتها لا إمكان لشنّ حرب شاملة أو للتصدّي لحرب شاملة. التظاهرات هي عبارة عن حركة شعبية استمرت من بعد إطلاق "حركة حماس" الفلسطينية 36 صاروخاً من عيار خفيف أو متوسط من جنوب لبنان على إسرائيل. لن يستطيع نتنياهو قمع التظاهرات وتالياً وقفها، ومحاولته ذلك ستكون من دون نتيجة. وهو لن يستقيل طبعاً. علماً بأنه قدّم تنازلاً موقّتاً بإرجاء بتّ مشروعات تعديل القوانين المتعلّقة بالقضاء أشهراً قليلة. لكنه قد يلجأ الى تأليف حكومة جديدة تحمل اسم حكومة الوحدة الوطنية. ونجاحه في ذلك يقتضي أن يقدّم هو وحزب "ليكود" الذي يترأسه تنازلات كما الأحزاب اليمينية الأخرى المتحالفة معه. ويقتضي إبعاد الأحزاب اليمينية الأكثر تطرّفاً والمشاركة حالياً في حكومته عن حكومة الوحدة الوطنية إذا قرّر نتنياهو اللجوء إليها لوقف تدهور أوضاع الداخل".
انتقل الحديث مع المسؤول الأول نفسه في مركز الأبحاث الأميركي المهم جداً الى لبنان وشغور رئاسة الجمهورية فيه، والجهود المبذولة لانتخاب رئيس جديد بعد انقضاء أشهر عدة على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون. تناول الحديث أيضاً دور فرنسا في تذليل عقبات ملء الفراغ وتقرّبها من "حزب الله" من أجل النجاح في ذلك، وفي تعزيز حظ مرشح "الثنائي الشيعي" سليمان فرنجية في دخول قصر بعبدا رئيساً جديداً للبلاد. كما تناول أدوار رئيس "حزب القوات اللبنانية" المعارض لفرنجية أي سمير جعجع والمملكة العربية السعودية وغيرهما. ثم سأل عن قائد الجيش العماد جوزف عون وحظوظه الرئاسية وعن الأسباب التي يبدو أنها تعوق رئاسته. أجبت أن الأسباب عدة، منها أن "حزب الله" وهو ناخب أساسي مع حليفه "حركة أمل" والاثنان شيعيان، لا يحبذان انتخابه رئيساً رغم أن لا مآخذ لهما عليه أو لغيرهما. السبب الذي جهر به قادته أي "الحزب" والعاملون فيه لوسائل إعلامية عدة هو رفضه الإتيان بميشال سليمان آخر. وهذا الأخير عيّنته سوريا بموافقة "حزب الله" قائداً للجيش ثم أوصله الاثنان الى رئاسة الجمهورية. لكن تصرّفاته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومواقفه بعد التحرّكات الشعبية الكبيرة المطالبة بخروج سوريا من لبنان وإحجامه عن قمعها دفعاهما الى وضعه في خانة الأعداء. علماً بأن قائد الجيش في لبنان لا يستطيع استعماله في البلاد لضبط وضع بالغ الخطورة جرّاء الانقسامات الداخلية المُزمنة والخطيرة. لهذا السبب تصبح رئاسته غير مجدية إلا طبعاً إن كان تاريخه نظيفاً بخلاف غالبية الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة في آن واحد. العماد جوزف عون ينتمي الى فئة "النظافة". سأل المسؤول الأول نفسه في مركز الأبحاث الأميركي الجدّي جداً: "هل يمكن أن يعود رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الى الاتفاق مع "حزب الله" الذي تحالف معه مؤسس "التيار" ميشال عون فأوصله الى رئاسة الجمهورية ولا سيما بعد اختلافهما الكبير على ترشيح "الحزب" سليمان فرنجية للرئاسة ورفض باسيل ذلك؟". أجبتُ: صعب أن تعود العلاقة بين الاثنين كما كانت رغم "الخدمات" التي قدّمها "الحزب" للاثنين أي عون وباسيل. لكن الأخير يحاول أن لا يقطع خطوطه مع "الحزب" كلها لعجزه عن ذلك لأسباب عدة. لهذا السبب فإنه يطالب برئيس غير فرنجية لكن لا يشكّل تحدّياً مهماً وكبيراً لـ"الحزب". علماً بأنه ذهب بعيداً وعلانية في تحدّيه لأمينه العام السيد حسن نصرالله. فهل يستطيع التراجع وخصوصاً إذا استمر الأخير متمسكاً بترشيح فرنجية للرئاسة؟ وهل يستطيع استعادة ثقته به بعدما فقد معظمها في أثناء رئاسة عمه ميشال عون؟
ثم سأل عن طريقة وصول ميشال عون الى الرئاسة. أجبت أن مرشّح "الحزب" اليوم أي فرنجية "المرفوض" عملياً وإن ليس رسمياً من السعودية وأميركا ودول خليجية عربية عدّة فضّل عليه "الحزب" نفسه التخلّي عن ترشيح نفسه لمصلحة ميشال عون عام 2016 وكان يحظى بدعم "رافضيه" اليوم وسار ناخبو الخارج من عرب وغربيين بعون بعدما أقنعهم حلفاؤهم اللبنانيون بأنه سيغيّر نهجه السياسي التابع للحزب". لكنه لم يفعل.
سألت بعد ذلك عن إطلاق "حماس" الصواريخ الـ36 من جنوب لبنان على إسرائيل وعن رأي المسؤول الأول في مركز الأبحاث الأميركي نفسه عن أثر ذلك. أجاب: "تصرّف نتنياهو و"حزب الله" بحكمة، علماً بأن الأول ليس معترفاً بأن "حركة حماس" في لبنان مستقلة عن "حزب الله". فهو يعرف ومعه العالم أن ليس لـ"الحزب" مصلحة في قمع المصلّين الفلسطينيين في "المسجد الأقصى"، وأن له مصلحة في حصول ردّ فلسطيني غير عنيف من حليفه في لبنان. الاثنان، إسرائيل و"الحزب"، لا يريدان حرباً مدمّرة لن تكون نتيجتها إلا الخراب والدمار".
ماذا في جعبة باحث بارز في مركز أبحاث أميركي عريق جداً كانت له صولات وجولات مع آخرين في سنوات "عملية السلام" قبل فشلها بعد نحو 20 سنة من انطلاقها أو أكثر؟