نفض متحف سرسق غبار انفجار ٤ آب المشؤوم، وعاد إلى نشاطه الثقافي ليُعيد النبض إلى الحياة الثقافية في مدينة تبقى الثقافة فيها هي الهواء النقي ، والإبداع المتألق، والنور المتلألئ.
لم تُدمّر كارثة مرفأ بيروت عشرات الأحياء ومئات المنازل فقط، ولم توقع آلاف الضحايا، بين قتيل وجريح وحسب، بل أصابت من مرابط الثقافة في العاصمة مقتلاً، ودمّرت العشرات من مقرات الفنانين التشكيليين وزواياهم، وأسقطت العديد من المسارح والمعاهد الفنية والموسيقية، وهجرت العديد من الفنانين وعائلاتهم من منازلهم، ودفعتهم بعيداً عن الأحياء والشوارع التي ترعرعوا فيها، وكانت مصدر إلهامهم، ومختبر تجاربهم.
ولكن حكاية متحف سرسق مع الإنفجار تُحاكي روايات الأساطير والمعجزات!
يقع القصر العريق على تلة مواجهة على مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به، وعلى مسافة جوية لا تزيد عن ثلاثة كيلومترات. وكان من المقدر أن يؤدي العصف الهائل للإنفجار أن يُطيح بكامل الواجهة الزجاجية المزخرفة مع النوافذ والأبواب التي تحملها.
كما أن بعض المسؤولين عن إدارة المتحف وعدد من الموظفين كانوا مازالوا في مكاتبهم، الأمر الذي كان من المفترض أن يُعرّض حياتهم للخطر.
لكن يبدو أن القدر لم يشأ أن يحرم عاصمة الثقافة العربية، من أهم مرافقها الثقافية والتراثية، فكان أن إقتصرت الإضرار على زجاج النوافذ وبعض الأبواب الداخلية،
كما تم حصر أثار الإنفجار على عدد محدود من اللوحات، من بينها لوحة تحمل رسم واهب القصر إبراهيم سرسق، لأن مخزون مقتنيات المتحف كان محفوظاً بعناية مهنية عالية في قاعات سفلية بقيت أضرارها محدودة، والأهم أن المتواجدين في المبنى خرجوا سالمين.
مسحت إحدى الشركات الهندسية المختصة الإضرار، وتبين أن الإصلاحات تتطلب عدة ملايين من الدولارات، ويلدية بيروت الوصية على المتحف، تبخرت أرصدتها في البنك المركزي بعد إنهيار الليرة، ولا تستطيع تأمين الأموال اللازمة لإعادة هذه التحفة الأثرية والثقافية إلى رونقها المعهود.
بقيت التيرعات الفردية الأولى في إطار الإمكانيات الشخصية لأصحابها، إلى أن بادرت فرنسا ودول أوروبية أخرى بتقديم الأموال اللازمة للإصلاحات ومتطلبات الترميم.
متحف سرسق يبقى إيقونة حضارية وثقافية على جبين مدينة الشرائع والإشعاع الفكري والثقافي في هذا الشرق.
د. فاديا كيروز _ اللواء