ابرز ما تناولته صحف اليوم الجمعة ٣ آذار ٢٠٢٣



كتبت النهار

  لا نغالي في التأكيد الجازم بأن يكون "التقزز" ولا أقل من ذلك، الشعور الحقيقي الذي ينتاب اللبنانيين عند سماعهم أو مشاهدتهم أو قراءتهم للتصريحات السياسية السائدة راهناً في زمن بلوغ الانهيار المتعاظم حدود وضع لبنان عند مرتبة البلد الأول في لائحة البلدان المصابة بكوارث الانهيارات المالية والاقتصادية. تثبت وقائع الأيام الأخيرة انفجار واقع مجتمعي هو الأشد دراماتيكية في مآل شعوب تناوبت عليها المصائب والكوارث الى حدود ضياعها ضياعاً تاماً أمام القدرة على التغيير والانتفاض وتبديل الأحوال، فإذا بتداعيات الانهيار تتحوّل بالكامل الى الإنسان اللبناني الضحية ألف مرة.

أن ينتحر موسى الشامي تاركاً أطفاله وعائلته فريسة المصيبة واليأس والفقر فيما نسمع ما نسمع من غرغرة السفاهات السياسية المفلسة التي نعيشها وعقم لحس المبرد في الإجراءات المصرفية والمالية للجم آخر مراحل الانهيار المتدحرج، فهي علامة انتحار المجتمع المدني المواطني المسحوق تحت وطأة يأس بلغ منتهاه المفجع ولا يجدي شيء بعد الآن في احتوائه. هذا الجاري في يوميات اللبنانيين هو أفظع من الجرائم المنظمة التسلسلية التي تصفي الضحايا تباعاً بسياقات منهجية، بل يرقى الى مستوى المجازر الجماعية التي لا حاجة معها الى الأسلحة والسواطير والسكاكين. وهذه الطبقة السياسية القابعة على حياة اللبنانيين ومصيرهم لم تعد مجرد عنوان مفجع قاتم لعار وطني مقيم فقط بل هي أسوأ شهادة قاتمة على عجز لبنان عن أن يقوم من بين الأنقاض على أيدي من جدّد انتخابهم قبل أشهر في أخطر انتحار عام.

قد يخفف عقدة الذنب عند اللبنانيين أن يشاهدوا انفجاراً شعبياً حاداً في إسرائيل، العدو الديموقراطي، ضد حكومة اليمين المتطرف ورئيسها بعد أسابيع فقط من تشكيلها ووسط تساؤلات غريبة عن شعب يوصل أكثرية الى الحكم وينتفض ضدّها بعد أسابيع. كما قد يخفف غلواء القهر عندنا أن نستعيد تجارب شعوب في بلدان غربية وشرقية ولاتينية انتخبت رؤساء – ظواهر في السياسات المتطرفة العوجاء وتكبّدت بسببهم أثماناً كارثية. لكن المقارنات تسقط في لبنان أمام عصف الانهيار التاريخي غير المسبوق الذي دفع بلبنان الى التقدم نحو تصدّر قائمة الانهيارات الأضخم تاريخياً منذ قرنين فيما طبقته السياسية الراهنة لا تزال تقيم على كراسي مواقعها ولا تزال تستسهل مقتلة اللبنانيين في كل دقيقة تحت وطأة ارتهان وعمالة جزء كبير من هذه الطبقة وعجز وقصور ورعونة جزء آخر منها، وفي كل الأحوال ثبوت ما لا يحتاج الى إثبات من قيام هوّة مرعبة بين هذه الطبقة عموماً وناسها واللبنانيين عموماً. أخطر ما يعاني منه اللبنانيون الذين تبلغ نسبة اليأس عند جماعات وأفراد منهم حدود الانتحار أنهم لا يجدون استشعاراً صادقاً حقيقياً مع معاناتهم لدى من يمثلونهم حتى حين يذرف هؤلاء دموع التماسيح. إنها علامة "جديدة" لم تكن في غابر الحقبات حتى الحربية والقتالية التي مرت على لبنان. كان زعماء تلك الحقبات وساستها، على رغم كل ما مر في تاريخ الحروب والأزمات، أكثر التصاقاً وأشد صدقاً و"أقرب الى القلوب" ممّن ورثوهم وخلفوهم لاحقاً وحتى الساعة. إنها ظاهرة سقوط أخلاقي عارم يتعيّن فيها توقع إسقاط الساسة لا انتحار الناس يأساً. أقله احترموا انفجار هذا اليأس وكفّوا عن "الضرب على أعصاب" اللبنانيين وانكفئوا عن المشهد الكارثي لئلا تلاحقكم اللعنات الى يوم الدينونة!