ابرز ما تناولته صحف اليوم الاثنين ٦ آذار ٢٠٢٣




كتبت النهار

  لا تُعدّ الاستعانة بسوابق التاريخ الحربي في لبنان ترفاً "لطيفاً" وإنما هي أمر قسري مشؤوم بإزاء واقع ينبئك بأن "جاهلية" سياسية غالباً ما ترجع لبنان الى التخلف والانقسامات وتمنعه من اللحاق بالعصر. ترانا الآن أمام شيء من تلك اللعنة التي تسقط على أزمة تكاد تكون كيانية ومصيرية للبنان، أسوأ تجارب الماضي الصراعي الحربي الذي طحن لبنان طوال 15 سنة متواصلة. يأبى "فريق الممانعة" إلا أن يجر البلاد الى هذا التوق الغريب الى استجرار كل ما كان النظام السوري الأسدي يمارسه على اللبنانيين منذ ما قبل تكريس وصايته على لبنان وإلى ما بعدها بلوغاً حتى انسحابه المذلّ. المأساة في الفريق الممانع أنه يأبى الاعتراف بأنه وإن كان يملك القدرة على تعطيل دورة النظام الدستوري والتباهي بإيديولوجيته التعطيلية وأساليبها وأنماطها الانقلابية المعروفة فإن ذلك لا يكفيه حتماً لإثبات قدرة مزعومة على إسقاط تجارب "مشغليه" الإقليميين وفرضها على خصومه.

من آخر نماذج هذا الهوس أن تطالعنا قبل أيام معالم استعادة "حرفية" لأولى التجارب وأخطرها وأشدّها سوءاً في استباحة النظام الدستوري قبل ثلاثة عقود، التي أدّت الى فراغ رئاسي لمدة سنتين سبقتا ولادة اتفاق الطائف. كانت تلك رعونة أقدم عليها النظام السوري ولا يوازيها بحجمها سوى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ حاول عام 1988 عبر الوسيط الأميركي ريتشارد مورفي فرض معادلة "مخايل الضاهر أو الفوضى" وكان ما كان من الكوارث.

لعلها مفارقة قدرية ورمزية أن يفارق "شهيد" ذاك الصراع مخايل الضاهر الحياة قبل أسابيع قليلة فيما يتعيّن إعادة إفهام من يجب إفهامهم أن اكثر من ثلاثة عقود مضت كافية لجعلهم يدركون أن ليس كل تاريخ بكل حذافيره قابلاً للاستعادة. كان مخايل الضاهر قيمة نيابية ودستورية وسياسية كبيرة ومرموقة ومحترمة ويليق به الكرسيّ الأول حتماً وأفضل من كثيرين أوصلتهم الظروف إليه أو ترشّحوا له. مع ذلك انبرى نظام الأسد الأب آنذاك الى محاولة فرضه قسراً على المعسكر المسيحي الذي كان يحارب توسّع احتلال نفوذه وقواته العسكرية بطريقة جعلت رموز المعسكر المسيحي كافة، رئيس الجمهورية أمين الجميّل والبطريرك صفير والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، يعلنونها "حرباً مسيحية" وجودية ضد ذاك القرار وأسقطوه وأسقطوا معه الوساطة الأميركية نفسها.

لا نجادل الآن في ما جادل فيه كثير من المسيحيين حيال ما إن كان رموزهم ارتكبوا خطأً تاريخياً أم لا في رفض انتخاب مخايل الضاهر، ولكن المغزى في استعادة سليمان فرنجية "رئيساً وحيداً ولا رئيس سواه" لا ينمّ إلا عن إنكار قاتل للواقع والماضي والمستقبل أيضاً وأيضاً. لم يشيطن المسيحيون واللبنانيون الآخرون الرافضون للتدخل السوري مخايل الضاهر أبداً بل شيطنوا الإذلال السوري في محاولة فرضه كما الاستسلام الأميركي لمشيئة نظام الأسد آنذاك. ولا يشيطن الرافضون الآن لمعادلة فريق الممانعة فرض رئيس بقوة التعطيل حيناً ومحاولة فرض واقع قسري على القوى النيابية والحزبية المسيحية الأساسية أحياناً سليمان فرنجية شخصياً على رغم انخراطه طوال عمره السياسي بحلف عضوي مع نظام الأسد كما مع "حزب الله". لذا نتساءل: هل يعتقد فعلاً "الممانعون" أن فرض سليمان فرنجية لا يزال متاحاً بهذه السلاسة الساذجة؟ أم تراهم لا يستشعرون استحالة "الاستيلاء" على الحكم على أنقاض زلزال سياسي – طائفي بدأت تشققاته تتسع على مدى جمهورية الانهيار التي خلّفها عهدهم السابق؟