كتبت جريدة اللواء
أدت المكابرة التي دأبت عليها جمعية المصارف لجهة المضي بالإضراب الغامض، الذي أمضى أكثر من أسبوع، في اطار الضغط على السلطات الإجرائية والنقدية الى نوع من المكاسرة، مع الشارع، الذي استشاط غضباً، بوجه هواء، بعنوان «صرخة وجع» لم ينجُ منها إشعال الإطارات أمام أبواب المصارف بدءاً من بنك عودة ومصرف الاعتماد اللبناني وBBAC وصولاً الى اقتحام بنك بيبلوس، ومحاولة خلع بابه الرئيسي، قبل أن ينتقل هؤلاء المحتجون الى منزل سليم صفير رئيس الجمعة في محلة سن الفيل، كل ذلك على وقع دولار ألهب الأسعار في السوبرماركت التي فرضت نوعاً من التعتيم حولها، بعد نزع اللوحات والإشارات الدالة على السعر لكل سلعة، بعدما تجاوز سعر صرف العملة الخضراء 80 ألفاً في السوق السوداء.
وتوسعت حركة الشارع باتجاه قطع الطرقات الرئيسية سواء في الطريق الدولي بين الجنوب وبيروت، عند اوستراد الجية باتجاه صيدا، وقطع طريق كورنيش المزرعة، وصولاً الى جسر سليم سلم، في وقت كان فيه الجيش اللبناني يواصل عملياته في حورتعلا البقاعية لملاحقة مطلوبين، الامر الذي أدى الى استشهاد 3 عسكريين.
وأدى التدهور المخيف في اسعار المحروقات الى اجتماع عاجل في السراي الكبير، حضره الى الرئيس نجيب ميقاتي وزيرا الطاقة والمياه والاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض وامين سلام، وممثلون عن موزعي المحروقات ونقابة المحطات ورئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط.
وحسب الوزيرين فياض وسلام فالاجتماع لم يخرج بما يريح المواطن او المستهلك، ولو لبعض الوقت، بل كرَّس ما كانت تطالب به المحطات واصحاب السوبرماركات، فالتسعير بات بالدولار للحوائج الضرورية وغيرها، في حين ترك احد التسعير للمحروقات لأصحاب المحطات والمستوردين والموزعين، حفاظاً على ما يسمى «بالجعالة»، ولو أدى الامر بأن يصبح راتب الموظف ثمن صفيحة بنزين واحدة، فوق المليون و600 الف ليرة لبنانية!
في هذا المشهد الملتهب، الذي رأى فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مقدمة لما يمكن وصفه «بفوضى عارمة» وانهيار شامل تقف وراءه الادارة الأميركية، دخل العنصر الدولي- الاقليمي عاملاً مباشراً ومكشوفاً في الازمة المحتدمة منذ 17 ت1 (2019).
فالأخطر ما قاله السيد نصر الله في احتفال في الضاحية الجنوبية بعد ظهر امس، «فلبنان منذ اعام 2019 دخل في استهداف جديد للنيل من الانجازات التي تحققت ولإعادته الى الهيمنة الأميركية».
وخاطب نصر الله الأميركيين قائلاً: «اذا دفعتم لبنان الى الفوضى، وتألم الشعب اللبناني، فلن نجلس ونتفرج وسنمد يدنا الى ما يؤلمكم، حتى ولو أدى ذلك الى خيار الحرب مع حبيبتكم اسرائيل».
واعتبرت مصادر سياسية ان توقيت اطلالة نصرالله بالامس، تزامنت مع تحرك لجنة السفراء الخماسية، باتجاه المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لاطلاعهم على نتائج لقاء باريس، وكانت المواقف التي اعلنها بخصوص الاستحقاق الرئاسي، بمثابة الالتفاف وقطع الطريق على نتائج لقاء باريس، من خلال تأكيده بأن لاجديد بالنسبة للانتخابات الرئاسية، ومكررا موقف الحزب بالدعوة للحوار والتوافق بين الاطراف المعنيين.
واشارت المصادر ان اثارة نصرالله لموضوع المساعدات المطلوبة لكارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وانتقاده لتباطؤ المساعدات العربية، غير صحيح على الاطلاق، ويهدف الى التغطية على الانكفاء الايراني عن تقديم المساعدات للشعب السوري بهذه الكارثة خلافا للادعاءات المزيفة، بينما يعلم الجميع مسارعة الدول العربية والخليجية تحديدا، الى ارسال عشرات الطائرات المحملة بالمساعدات لاغاثة المتضررين، في حين ماطل النظام السوري عن قصد بفتح المعابر لايصال المساعدات للمتضررين في المناطق الواقعة خارج سيطرته. اما بخصوص الادعاء بتأثير الحصار الاميركي على وصول المساعدات الدولية الى سوريا، فهي غير صحيحة لان واشنطن اعلنت بأن المساعدات للمكوبين غير مشمولة بقانون العقوبات المفروضة على النظام السوري.
ولاحظت المصادر ان توجيه نصرالله الاتهامات للولايات المتحدة الأميركية، وتحميلها مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية، هو بمثابة محاولة مكشوفة للتهرب من مسؤولية الحزب من التسبب بالانهيار الحاصل بلبنان ، من خلال الاطباق على الواقع السياسي بقوة السلاح وتعطيل مسار الدولة واستنزاف مواردها لحساب ايران، وتساءلت كيف تحاصر الولايات المتحدة الأميركية لبنان، والحزب يتداول بعشرات ملايين الدولارات في تعاملاته ورواتب المنتسبين إليه.
وكانت الحكومة استفاقت متأخرة كالعادة للتصدي لمؤامرة التلاعب بسعر العملة الوطنية وانهيارها المتسارع كما انهيار كل التقديمات والعطاءات التي قدمتها للموظفين، تحت سيف الغلاء غير المسبوق وغير المعقول، بحيث لا زال سعر الدولار يقارب الثمانين الف ليرة ومن دون اي حلول في ظل عجز وصمت رسمي وصفه البعض «بالمريب والمشبوه»، ما اضطر لجان المودعين الى الانتفاضة على المصارف واشعلوا النار في مداخل بعضها في شارع بدارو ثم حاولوا اقتحام منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في سن الفيل، كما سجلت بعض الظهر اعمال قطع طرقات وإحراق اطارات في بيروت وعدد من المناطق، فيما الحلول السياسية ما زالت في غرفة محصنة مقفلة، وبقي الجو السياسي تحت تأثير وجود الرئيس سعد الحريري في بيروت ولقاءاته الواسعة، بينما استمر التفلت الامني على غاربه وآخره سقوط ثلاثة شهداء للجيش وعدد من الجرحى خلال مداهمات لعصابات في بلدة حورتعلا البقاعية، وحيث قتل ثلاثة من افرادها عدا الاصابات والمصادرات.
لقاءات واسعة للحريري
وفي السياسة، علمت «اللواء» ان الرئيس سعد الحريري غادر امس بيروت عائداً الى الامارات، وهو زار قبل الظهر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في دارته. بينما لوحظ ان من زوار بيت الوسط الرئيس فؤاد السنيورة، وغاب الرئيس تمام سلام لملازمته الفراش بسبب وعكة صحية. ولكن في كل الحالات ما كان الحريري سيعقد اجتماعا مع رؤساء الحكومة السابقين حتى لا يتم تفسيره على انه لقاء سياسي. فيما جمع لقاء ثان نائب رئيس مجلس النواب الأسبق ايلي الفرزلي، بالرئيس سعد الحريري في غضون الـ48 ساعة الأخيرة في بيت الوسط. وكانت مناسبة لمقاربة الاوضاع العامة في البلاد من جوانبها كافة. واعتبر السيد حسن نصرالله في مهرجان «شهادة وانتصار» لمناسبة يوم الشهداء القادة، أن ما يحصل في لبنان سببه الرئيسي هو الضغوط الأميركية وسياسة سحب الأموال والودائع بطريقة مدبرة. مشيراً إلى أن «تفاهم مار مخايل مع التيار الوطني الحر في وضع حرج ونأمل الحفاظ عليه لأجل المصلحة الوطنية» .
وتابع: إن لبنان دخل منذ العام 2019 في استهداف جديد من أجل إعادة لبنان الى السيطرة الأميركية، والرئيس الاميركي باراك أوباما القى محاضرة في إحدى الجامعات الاميركية في 21/4/2022يشرح فيها كيف يتم السيطرة على الدول. أوباما يقول «نحتاج فقط الى إفساد الرأي العام لبلد ما بالرسائل العشوائية وطرح أسئلة كافية وزرع ونشر ما يكفي من الشائعات وفكرة المؤامرات». نحن أمام هذا التحدي والذي تأتي فيه أدوات سياسية وإعلامية واقتصادية وفي مقدمها سعر الدولار الذي يتأثر به كل شيء، والفساد والخلل والأخطاء في الإدارة والتقصير في تحمل المسؤوليات يتم استغلالها من قبل الادارة الاميركية.
وأضاف: أمام هذا التحدي عندما نعود الى السيد عباس والشيخ راغب وموقفه الثابت والحاج عماد مغنية الروح التي تقاتل، علينا أن نتحمل المسؤولية ونتعاون ونسقط مشروع الفوضى والهيمنة والعبث بعقول شعبنا وشعوب المنطقة للسيطرة على هذه البلدان.
وشدد نصرالله على ان «لا جديد في الملف الرئاسي اللبناني ولا بد من جهد لانتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن»، وأكد ان «الارتفاع المتفلّت في سعر الدولار وبالتالي ارتفاع الأسعار يجب معالجته ومطالب القطاع العام محقة جدا» .
واعتبر ان «الوضع الاقتصادي يشغل بال اللبنانيين جميعا وعلينا التفتيش عن حلول، وعلينا العمل لايجاد اقتصاد قوي، واحياء القطاع الصناعي والزراعي والتوجه بشكل جدي في قطاعي النفط والغاز، كما يجب السعي لانجاز اقتصاد قوي في بلدنا والبحث عن أسواق أخرى كالصين وروسيا».
وقال: اننا لن نسمح ابدا بحصول تسويف بشأن استخراج النفط من مياهنا، ونحتاج الى قرار جدي من الحكومة الحالية والاتية والقول للاميركيين «يحلوا عننا».
واضاف :اذا كان الاميركيون او البعض في الداخل يخططون للفوضى وانهيار البلد اقول لهم انتم ستخسرون كل شيء في لبنان، ومن يراهن على ان المعاناة او الالم يمكن ان يدفعا هذه البيئة للتخلي عن خيارها والوصية الاساس وانجازات الحاج عماد مغنية، اي التخلي عن مقوم امنها وبقائها ووجودها وسيادتها وصون عرضها وخيرات بلادها هو واهم.
واكد نصرالله ان «من يريد ان يدفع لبنان الى الفوضى او الانهيار عليه ان يتوقع منا ما لم يخطر في بال او وهم، وان غدا لناظره قريب، وعلى الأميركيين أن يعلموا إنه إذا دفعوا لبنان الى الفوضى وتألم الشعب اللبناني فهذا يعني أننا لن نجلس ونتفرج على الفوضى وسنمد يدنا الى من يؤلمكم حتى لو أدى ذلك الى خيار الحرب مع ربيبتكم «إسرائيل».
مهاجمة المصارف وقطع طرقات
ونتيجة لإنهيار الوضع المعيشي، شهدت بيروت وعدة مناطق لبنانية منذ صباح يوم امس ، تحركات ضد المصارف التي واصلت اضرابها المفتوح، وقطعاً للطرقات احتجاجاً.، وأقدم محتجون على قطع الطّريق في ساحة الشهداء في بيروت بالإطارات المشتعلة. وقطع الطريق على كورنيش المزرعة عند جامع عبدالناصر. وتم قطع الطريق بقرب جامع مطر على جسر المطار.
وبعد الظهر ومع بداية المساء قطع المحتجون الطرقات عند مستديرة الكولا، وفي الشويفات قرب محطة الريشاني. وتجدد قطع الطرقات في اكثر من منطقة في البقاع والجنوب.
وكانت «جمعية صرخة المودعين» قد اشعلت صباح امس، الاطارات امام بنك عودة في منطقة بدارو، وقام بعض الافراد برمي الحجارة على ابواب المصرف، وكذلك أمام مصرف الاعتماد اللبناني.
ثم انتقلت الجمعية والمحتجون الى «فرنسا بنك» في المنطقة ذاتها لاشعال الاطارات. وكذلك اقتحم المحتجون بنك بيبلوس وحاولوا تكسير الباب الرئيسي.
كما أضرم عدد من المودعين النار، أمام مداخل المصارف في بيروت خلال تجمعات احتجاجية.
وتوجهت مجموعة «صرخة المودعين» الى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في حرش تابت - سن الفيل، وأضرمت النار قرب المبنى.
وتحدثت أنباء عن إقدام محتجين على قطع طريق الفاكهة القاع، إضافة الى قطع طريق قصرنبا - بدنايل بالاتجاهين بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار وتردي الوضع المعيشي.
وتمّ إقفال مستديرة ومفترق دوحة عرمون وبشامون بالعوائق والاطارات المشتعلة من قبل محتجين. كما أفيد عن قـطع الطريق في مدينة صيدا- دوار إيليا، إضافة الى قطع طريق قصرنبا– بدنايل في البقاع بالاتجاهين صباح اليوم بالاطارات المشتعلة. ونفذ الجيش اللبناني إنتشاراً كثيفاً في شوارع صيدا ومنطقة عبرا المجاورة تحسّباً لأيّ تحرّكات إحتجاجية.
كذلك قطع محتجّون الطّريق عند مفرق رحبة في الجومة - عكار.وطريق طرابلس- البداوي، وطريق بلدة ابلح الفرزل في البقاع الاوسط بالاطارات المشتعلة.
وفي الجنوب، جرى اشعال الاطارات عند مثلث تل نحاس– مرجعيون.
قاضٍ جديد في ملف سلامة
الى ذلك، عين رئيس محكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله، المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، للنظر بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة العالق أمام النيابة العامة منذ اشهر، وذلك بعد قرار رد النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر بناء لدعوة سلامة. وسيباشر القاضي حاموش دراسة الملف ومحاضر التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة التمييزية والمستندات كافة، ليقرر ما إذا كان سيدعي على سلامة وفق طلب النيابة بـ«جرائم الاثراء غير المشروع والاختلاس والتزوير واستعمال المزور» ام لا.
وفي سياق متصل، نفت مصادر ديبلوماسية أميركية لـIci Beyrouth، المعلومات التي انتشرت يوم أمس الأربعاء حول علاقة حاكم مصرف لبنان بحزب الله، وقالت: «لن نعطي أي أهمية للشائعات التي يطلقها أشخاص بهدف تأجيج الازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان من أجل مصالحهم».
ولاحقاً، حددت قاضية التحقيق الاول في البقاع بالإنابة اماني سلامة، 16 آذار المقبل موعداً لجلسة استجواب سلامة واعضاء المجلس المركزي ومفوض الحكومة بالتكليف لدى المصرف، بناء على الدعوى الجزائية الذي تقدم بها عدد من المودعين.
صحياً، سجلت وزارة الصحة مساء امس 95 اصابة جديدة بالكورونا، مع حالتي وفاة.