أبرز ما تناولته صحف اليوم الثلاثاء ٢٠ كانون الاول ٢٠٢٢


كتبت النهار

انحسرت نسبياً عاصفة السجالات حول مسألة حادث العاقبية في اواخر الاسبوع الماضي والذي أدى الى مقتل جندي ايرلندي من عديد قوة "اليونيفيل" العاملة في الجنوب إنفاذاً للقرار الدولي 1701، ليوضع الامر بكل ما شابه من ملابسات في خانة التحقيقات وانتظار نتائجها.
وبحسب المتوافر ان هذه التحقيقات هي في عهدة مخابرات الجيش وجهاز أمن القوة الدولية معززة بفريق تحقيق ايرلندي حلَّ في بيروت في الساعات الماضية مع الفريق الرسمي الايرلندي الذي قدِم لمواكبة عملية اعادة رفات الجندي الى بلاده.

وهذا يعني وفق مصادر متابعة (رسمية وغير رسمية) ان القضية التي شحنت المشهد الداخلي اللبناني أخيراً بمزيد من عوامل الخلاف والتراشق قد أخذت حدّها الاقصى واستنفدت غايتها. وبذا تكون الامور قد عادت الى نصابها المأمول، اي الى مربّع التحقيقات القضائية المحلية والاممية والى دائرة تحرّي الوقائع، استجابة لدعوات سارعت الى اطلاقها قيادات رسمية من جهة والفريق الذي وُضع في دائرة الشك والاتهام (أي الثنائي الشيعي) كون الحادث وقع في بقعة جغرافية محسوبة على طرفَي هذا الثنائي، لاسيما بعد حديث رئيس الوزراء الايرلندي عن "بيئة معادية" تتولى القوة الدولية العمل في وسطها.

واستناداً الى المعطيات والوقائع التي تروّجها تلك المصادر فان هذه التحقيقات التي شرع الطرفان المعنيان بها، أي مخابرات الجيش وأمن "اليونيفيل"، ستتم خلف ستار من الكتمان الشديد الى ان يضع هذان الطرفان معا او كل على حدة التقرير النهائي المعزز بالادلة العملية والبراهين. وهو أمر يحتاج بالحد الادنى الى ما يزيد عن اسبوع.

"رأس الخيط" الذي ينطلق منه مسار التحقيق يبدأ من واقعتين اثنتين:

الاولى: ما هي الدوافع والاسباب التي حدت بإحدى سيارتَي قافلة "اليونيفيل"، التي انطلقت قبيل منتصف ليل الحادث (نحو العاشرة والنصف) من معسكر القوة الايرلندية في خراج بلدة الطيري (قضاء بنت جبيل) في طريقها الى مطار بيروت الدولي، الى الانحراف عن المسار البديهي المألوف، وهو الاوتوستراد، وتترك السيارة الاخرى في محلة جسر ابو الاسود وتختار النزول الى الطريق الساحلي القديم، وان لا تستدرك (اذا صحّت فرضية الخطأ) وتعود لملاقاة السيارة الاخرى في نقطة ما بين الجسر وبلدة العاقبية والبالغ طولها اكثر من 14 كيلومترا؟
وثمة سؤال قرين هو: هل ان الدورية الدولية أعلمت وفق الآلية المعمول بها منذ زمن قيادة الجيش اللبناني بنيّة تحركها وطلبت منها المواكبة أو مجرد الابلاغ؟

على جاري العادة وبحسب المعطيات المستقاة من مصادر في "اليونيفيل" فان القوة الدولية تقوم يوميا بما معدله نحو 445 تحركاً (دوريات وقوافل و...) وذلك ضمن نطاق عملها المنصوص عليه في القرار الاممي 1701 (جنوب الليطاني). ويتعين ان تكون قيادة التنسيق في الجيش على بيّنة وعلم مسبق بكل هذه التحركات، فاذا توافرت لديها الامكانات فانه يمكنها ان تواكب، واذ انتفى الامر تكتفي بأخذ العلم.

وعليه، فسواء كان تحرك الدورية الاممية ومسارها الجديد بعِلم الجيش أم لم يُحط علماً، فان في الامر مسؤولية مشتركة.

والسؤال المركزي الذي تدور حوله التحقيقات الاولية: ما الذي دفع الآلية المستهدفة الى الانحراف عن مسارها الطبيعي واختارت النزول الى طريق فرعي قرابة منتصف الليل؟
وفي طيّات هذه الاسئلة يتبدى سؤال آخر عن حقيقة ما اشيع عن ان السيارة المستهدفة كانت مزوّدة أجهزة مراقبة متطورة (كاميرات تصوير واجهزة بث فضائي ...) وهو ما يعزز فرضية ان يكون انحراف السيارة ليس مصادفة بل انفاذاً لأمر عمليات؟

والمصادر عينها ترى ضرورة توافر الاجابات عن كل هذه الاستفسارات وتبديد ضباب الغموض الذي يكتنف كل تلك الوقائع المطروحة بالحاح على شكل تساؤلات اولوية قبل المضي قدماً في رحلة معرفة الاسباب والدوافع التي حدت بمجموعة شبان العاقبية المتجمهرين (ما بين 15 الى 25 شابا وفق التقديرات الاولية) الى التواجه والتصادم مع الآلية الدولية وركابها، وهو ما تطور الى اطلاق نار على تلك الآلية فقُتل الجندي السائق قبل ان تنحرف تلك المركبة عن مسارها.

واذا كان البعض وفق المصادر اياها مقتنعاً بفرضية ان الامر كله كان بفعل سوء التدبير الذي حدا بالآلية الاممية الى سلوك طريق غير طريقها المعتاد ومقتنعاً ايضا بفرضية سوء الحظ والمتجسد في تجمع الشبان غير المعتاد في ذلك الوقت في احدى ليالي المونديال، فان ذلك كله يسقط وفق المصادر عينها فرضية "الإعداد المسبق ونصب مكمن" من جانب الشبان انفسهم او من جانب القوتين السياسيتين اللتين تتقاسمان النفوذ والوجود والتأثير في منطقة الحادث. وترى تلك المصادر ان ثمة واقعة اخرى اكثر صلابة تعزز ايضا فرضية اسقاط "النية الجرمية" وهي ان جهتين حصراً من شأنهما ان يكونا على علم مسبق بخط سير القافلة الاممية (توقيت التحرك وطريق المسار) هما قيادة "اليونيفيل" وقيادة الجيش.

واقع الحال هذا لا يعفي الشبان المتجمهرين من المسؤولية ولا يسقط ما يترتب على فعلتهم من تدابير عقابية.

وفي كل الاحوال، فان تلك المصادر تعرب عن ثقتها بان الكلام والتحليلات التي ضخّت فور ذيوع نبأ الحادث وفحواها ان الامر كله "اختبار قوة مدبّر" لتوجيه رسائل سياسية في اكثر من اتجاه بُعيد القرار الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في الصيف الماضي تحت عنوان تعديل مهمات القوة الدولية هو "مجرد اتهامات سياسية"، اذ حتى لحظة وقوع حادث العاقبية المشؤوم خلت تقارير القوة الدولية او الجيش اللبناني من ذكر اي حوادث احتكاك او مواجهة بين الاهالي والقوة الدولية لا في منطقة عمل القوة (جنوب الليطاني) ولا في خارجها.