كتبت النهار
زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية لم ينسحب بعد من معركة رئاسة الجمهورية رغم أنه لم يُعلن رسمياً ترشّحه لها، وربما لن يعلنه قريباً حتى وإن صحّت المعلومات التي نشرها "الموقف هذا النهار" عن هذا الموضوع يوم أمس. ذلك أن الخطة الرئاسية التي ينفّذها حتى الآن "حزب الله" حليف فرنجية وقائد محور "المقاومة والممانعة" في لبنان لم تصل الى خواتيمها بعد. وهو لا يزال في حاجة الى استمرار هذا الحليف مرشّحاً أولاً لإيصاله الى الرئاسة إذا تغيّرت الظروف النيابية والسياسية في البلاد وفي الإقليم وليس خارجهما حيث المعارضة لدخوله قصر بعبدا رئيساً ضعيفة أو غير موجودة إلا ربما عند المملكة العربية السعودية.
وثانياً لأن استمراره في المعركة يقوّي موقف "الحزب الحليف"، وهو ينتظر الظروف الملائمة داخلاً وخارجاً لإيصال من يراه مناسباً له ولمعسكره وحلفائه في المنطقة. أما قائد الجيش العماد جوزف عون الذي بدا من "الموقف هذا النهار" يوم أمس أنه الثابت الوحيد بين "رفيقيه" في الترشّح لرئاسة الجمهورية أي فرنجية ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل رغم أن الأخير أكد أكثر من مرة رفضه له رئيساً وبذل ولا يزال يبذل جهوداً ضخمة لمنع وصوله الى قصر بعبدا، ويستغل لتحقيق هذا الهدف "معرفته" ربما أن حليفه وحاميه "حزب الله" لا يزال غير مقتنع به رئيساً رغم علاقة العمل الجيدة بينهما أي بين المقاومة العسكرية الممثلة بـ"حزب الله" والجيش اللبناني.
طبعاً قد تكون العلاقة الأميركية الوطيدة مع الجيش من زمان سبباً لنقزة "الحزب" من القائد جوزف عون، ولا سيما في ظل الزيارات المتكرّرة له في اليرزة لسفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوروثي شي ولكل عسكري كبير عالي الرتبة والموقع يزور المنطقة ولبنان وتحديداً قيادة جيشه والمتربّع على سدّتها عون. لكنّ هناك سبباً آخر للنقزة هو التجربة التي عاشها مع قائد الجيش الأسبق العماد ميشال سليمان قبل انتخابه رئيساً للجمهورية ثم بعد انتخابه كما بعد منتعة واضطراب داخلي معروف ثم تدخل عربي مارسته دولة قطر، إذ تصرّف بطريقة حالت دون عودة الاشتباك الأمني والعسكري الى شارعي 8 و14 آذار، إذ قَبِل نزول الأول الى وسط العاصمة واعتصامه فيها لعجزه عن منعه، وسهّل نزول الثاني إليها في المقابل بهدف تحقيق توازن سلمي، وفصلهما بأسلاك شائكة وراقب من قرب التطوّرات تلافياً لنشوب أيّ اقتتال. طبعاً أزعج تصرّف سليمان قائد الجيش "حزب الله".
لكن ما أزعجه أكثر منه وضايقه وربما جعله يندم على تسهيل انتخابه رئيساً للجمهورية كان إظهاره تدريجاً ميلاً الى 14 آذار ثم كشفه عن موقفه من قضيّة سلاح "الحزب" الشائكة في مؤتمر حوار دعا إليه في قصر بعبدا وأسفر عن موافقة على ما سُمّي "إعلان بعبدا" الذي تضمّن أموراً عدّة أهمّها الموافقة على استراتيجيا دفاعية تستوعب هذا السلاح. يومها قيل إن "حزب الله" وافق على الإعلان وعلى أعلى مستوى لكنه عاد عن الموافقة فوراً بعد انتهاء الاجتماع. فتح ذلك حملةً بينه وسليمان إذ اعتُبر الإعلان إنجازاً نهائياً لـ14 آذار. والبقية معروفة أهمّها اعتباره إعلان بعبدا "إنجازاً وطنياً" ودفاعه المستمر عنه منذ انتهاء ولايته الرئاسية حتى الآن ولا سيما أنه اعتبره وهو لبنانيو 14 آذار الإنجاز الوحيد لرئاسته. إلا أن ما زاد من غضب "حزب الله" من ميشال سليمان هو معرفته بالتفصيل أن حليفته سوريا بشار الأسد وكانت في عزّها هي التي "زكّته" أو بالأحرى "عيّنته" قائداً للجيش بعد تعرّف ضبّاطها إليه يوم كان يخدم في البقاع. وهو أيضاً معرفته بالتفصيل أن سوريا هذه نفسها أوصلته الى رئاسة الجمهورية.
وكان يظنّ في البداية أنه سيكون حليفاً لـ8 آذار وقائده "حزب الله" أو على الأقل صديقاً وتالياً مراعياً له ولسوريا. لكن الظن كان في غير محله. هذا أمر تؤكده معلومات موثوقة مصادرها سواء داخل "الحزب" أو خارجه. وقد عبّر عنها قبل يومين على "تلفزيون الجديد" الإعلامي والباحث داخل "الحزب" فادي أبو دية إذ إنه كان يتكلم بثقة في كل القضايا، فقال رداً على سؤال إن "الحزب" لن يؤيّد انتقال القائد جوزف عون من الجيش الى رئاسة الجمهورية لأنه "لا يريد ميشال سليمان آخر".إلا أن المهم في هذا الأمر هو كشفه الموقف الفعلي لـ"حزب الله" من الأخير. فهو لم يُعلن رفضه له ولا تأييده. والمعلومات المتوافرة عند متابعي تحرّك "الحزب" داخلاً وخارجاً تؤكد أن جوزف عون ليس المرشّح الذي سيُنتخب رئيساً.
لكن تقتضي المصلحة السياسية "الحزبية" والوطنية اللبنانية عدم إبداء موقف رافض له لأن الحاجة الى التعاون مع المؤسسة العسكرية مستمرة، ولأن الحكمة تقتضي عدم استعدائه منذ الآن. ما الطريقة التي سيستعملها "حزب الله" لإظهار عدم موافقته على قائد الجيش رئيساً من دون إلحاق أذىً كبير بعلاقته مع المؤسّسة التي يقود؟تفيد معلومات المتابعين أنفسهم أن "الحزب" سيلجأ الى "الكتاب" ويطلب تطبيق نصوصه التي يمنع بعضها انتخاب القائد رئيساً إن كان لا يزال في الخدمة إذ تجب عليه الاستقالة قبل ذلك بمدّة معيّنة. وهذا أمرٌ لا ينطبق على القائد عون المستمر في خدمته العسكرية.
الحل الوحيد لهذه العقبة هو تعديل الدستور كما حصل يوم اختير قائد الجيش العماد إميل لحود للرئاسة و"لمرّة واحدة" ثم انتخابه. والى الذين يقولون إن ذلك لم يطبّق يوم ترئيس العماد ميشال سليمان قال وزير عدل سابق في حينه هو المحامي الجدّي والرصين بهيج طبّارة أن لا حاجة لذلك لأن القائد سليمان نال أصوات ثلثي أعضاء مجلس النواب يوم انتخابه رئيساً وهي الأكثرية اللازمة لتعديل الدستور. اعتُبر ذلك اجتهاداً نتج منه التذرّع "بسقوط المهل" بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية من دون انتخاب خلف له، أي لم يعد المرشح إن كان يخدم في المؤسسة العسكرية أو حتى في مؤسسة مدنية يحتاج الى تعديل دستوري كي يُنتخب رئيساً.اللافت أن رئيس مجلس النواب نبيه بري بدا قبل انتهاء ولاية الرئيس عون ميّالاً الى الاجتهاد المذكور. لكن معلومات المتابعين أنفسهم تفيد أن موقفه اليوم يشدّد على حاجة قائد الجيش جوزف عون الى تعديل دستوري قبل انتخابه رئيساً للجمهورية. وتفيد أيضاً أن "حزب الله" متمسّك بتعديل دستوري يسمح لعون بأن يُنتخب رئيساً للبلاد.
والموقفان لا يعكسان فقط تمسّكاً بالقانون والدستور بل يعكسان الى ذلك عملياً موقفاً يُمكن اعتباره غير مؤيّد لوصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية. وقد يكون اقتناعهما بأن تأمين نصاب الثلثين لجلسة التعديل ثم أصوات ثلثي عدد النواب لانتخابه أمر محفوف بصعوبات كبيرة. فإذا صحّ ذلك وتعذّر الانتخاب سواء لقائد الجيش أو لغيره فإن الشغور الرئاسي، وهو أشبه بالفراغ لأن الحكومة التي يُفترض وفقاً للدستور أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بوصفها مجلس وزراء مستقيلة وغير موجودة كما يجب، فإن هذا الشغور سيطول لكن الى متى؟ملاحظة: ورد خطأً وسهواً في "الموقف هذا النهار" يوم أمس أن "حزب القوات" كان من مؤيّدي سليمان فرنجية رئيساً قبل انتقاله الى تأييد عون، فعذراً.