كتبت النهار
بات واضحا ان "الاحجية" التي ترافق موقف "حزب الله" من الاستحقاق الرئاسي ، وهو بلا شك ناخب رئيسي، هي أنه يريد ضمنا ان يكون زعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية ، لكنه لن يجاهر بتسميته في إنتظار أن يؤيد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل هذا الترشيح. لكن الأخير يعلن بإستمرار انه لن يؤيّد فرنجية. أليست هي "أحجية؟"
هي كذلك، إذا ما إحسنت النيات بإن "حزب الله" إعتمد نهائيا خيار ترشيح زعيم المردة، ما يطرح السؤال عن عدم قدرة زعيم الحزب السيد حسن نصرالله على فرض هذا الخيار أيا كانت الجهة المعترضة، كما فعل طوال الفترة التي إمتدت بين العاميّن 2014 و2016 ، حتى وصل مرشح السيد العماد ميشال عون الى قصر بعبدا؟
يقول متابعون لشؤون الحزب في الملف الرئاسي، أنه إذا ما جرى التسليم ب"عدم قدرة" نصرالله على ترشيح فرنجية، فسيعني ان الحزب فقد موقعه المؤثر الذي كان يحتله منذ العام 2005 بعدما حلّت الوصاية الإيرانية مكان الوصاية السورية إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج جيش الأسد من لبنان. فهل هذا الاعتقاد في محله؟ يضيف هؤلاء:" حزب الله ما زال في موقعه المؤثر، لكنه كان ولا يزال يمارس التقيّة منذ نشأته قبل 40 عاما. وعليه يجب عدم الوقوف عند تفاصيل الموقف ولاسيما لجهة إعتراض التيار الوطني الحر على ترشيح فرنجية." ويخلص المتابعون الى القول:" هناك أسباب أخرى تسمح لباسيل بالاعتراض على فرنجية وكذلك تسمح للحزب بالتظاهر انه فعلا انه يقف عند خاطر باسيل."
ما هو شائع منذ عقود في الاروقة الديبلوماسية ، أن طهران ما كانت يوما من الأيام مع تقديم الخدمات المجانية في الشؤون الإقليمية والدولية. وهناك وثائق مكتوبة حول المرحلة التي سبقت وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا تفيد ان الجمهورية الإسلامية لم تحسم خيارها إلا بعدما تلاقت مصالحها مع الولايات المتحدة. والقاعدة هنا:" إذا أردت بيع موقف فليكن للدولة الأعظم. حتى فرنسا، التي قيل ولا يزال يقال انها تنوب عن واشنطن في إدارة الملف اللبناني ، تعرف هذا الواقع وتلتزم حدودها حياله.
فجأة إتجهت الأنظار في الساعات الماضية، الى تحرّك النائب باسيل في إتجاه باريس، بعدما حطّ في قطر قبل أيام. وفي المعلومات، ان توسيع هامش حركة باسيل، جاء منسقا مع "حزب الله" التي أخذت علما مسبقا بتحرّك رئيس "التيار" الذي يجتمع دوما بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا وهو المكلف من نصرالله متابعة العلاقات بين الضاحية وميرنا الشالوحي منذ أعوام، وخصوصا بدءا من وصول عون الى قصر بعبدا. ويأتي هذا التحرك، وسط ارتفاع وتيرة الاتصالات التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خط الانتخابات الرئاسية في لبنان. وقد إنخرطت السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو على المستوى اللبناني في هذه الاتصالات وقامت بالاتصالات اللازمة التي مهدت الطريق أمام رحلة باسيل الفرنسية ، على ان تليها رحلات مماثلة مع الأطراف البارزة في لبنان.
بالعودة الى مقولة " يريد نصرالله فرنجية لكنه ينتظر موافقة باسيل" ، يقول مسؤول سابق تربطه علاقات مهمة مع "حزب الله" في مجالسه الخاصة، انه يجب وضع هذه المقولة في خانة البازار الانتخابي ، وعدم إنتظار الكثير من ورائها. وهو يرى ، ان الوزن الذي ناله النائب ميشال معوّض في السباق الانتخابي بعد ست جلسات إقتراع متتالية، هو يشابه الوزن الذي حاول "حزب الله" إسباغه على ترشيح فرنجية. لكن الدخان الأبيض الذي سيتصاعد يوما من مدخنة ساحة النجمة لا يشير الى ان الرئيس المقبل للجمهورية سيأتي من الشمال.
ماذا يمكن لباسيل ومن يمثل، أن يجنيه من وراء الدور الذي يقوم به داخليا وخارجيا؟ يجيب الوزير السابق ان "حزب الله" هو من يريد بتنسيق مع مرجعيته في إيران، ان تكون الأبواب المفتوحة مع الغرب عموما والأميركيين خصوصا. وهنا يستعير هذا المصدر مقولة كانت شائعة أيام الوصاية السورية ومفادها" صندوق الانتخابات الرئاسية في لبنان موجود في دمشق لكن مفتاحه في واشنطن." ويتابع قائلا ان التعديل الذي طرأ منذ العام 2005 هو حلول طهران مكان دمشق في هذه المقولة.
قد لا يبدو ان هناك مبالغة في القول ان باسيل في زيارته لباريس، وإجراء محادثات هناك ، يقوم بدور المندوب عن "حزب الله" ، معفيا الأخير من تبعة التدخل الشيعي عموما والإيراني خصوصا في ملف له خصوصية مسيحية لا يمكن التدخل فيه إلا من طرف مسيحي ذو شأن ك"التيار الوطني الحر."
كيف يمكن ل"حزب الله" ان يوفر إخراجا لكل هذه الاتصالات التي ستفرض عليه التخلي عن فرنجية كما تفرض على الجهة المقابلة التخلي عن معوّض؟
الجواب الذي يقارب الامر من زاوية تاريخ العلاقات بين الحزب والتيار، يفيد ان نصرالله قد يقيم "مأدبة" أخرى في مقره الحصين في الضاحية على شرف حليفيّه ، كما فعل في رمضان الماضي. وهناك من يذكّر بما قاله وفيق صفا، ،لموقع "العهد" الإخباري التابع للحزب عن "تفاهم مار مخايل" في 6 شباك 2006 ، في مناسبة مرور 13 عاما على هذا التفاهم أي في العام 2019 . وفي هذا التصريح يُوضح صفا "أنّ (جبران ) باسيل "شقفة" من الرئيس ميشال عون لجهة المشاعر الجياشة التي يُكنها للسيد نصرالله. فكما هو معروف أن الرئيس عون لا يستطيع إخفاء بريق عينيه في أي لقاء يجمعه بالسيد. تماماً فإنّ باسيل ينظر الى السيد نصرالله على أنه من "القديسين"، وعندما يلتقي باسيل بالسيد فـ"إنّ أكبر مشكلة تنتهي بكلمتين".
من لا يريد ان يصدّق ما قاله صفا، فعليه الانتظار حتى نهاية السباق الرئاسي ، كي يدرك ان "أحجية" فرنجية وباسيل هي ضمن عملية يجري الترويج لها ، إن وريث عون ذاهب الى باريس ليودع ورقته عند الاميركيين وكأنه صار "مستقلا" عن الضاحية. من يصدّق؟