كتبت النهار
يستعيد اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ما سوف يستعيد معه اللبنانيون نمطاً جرّبوه مراراً وتكراراً الى حدود الإذهال في التخلف السياسي. الدول تعود إلينا في أزمنة اشتداد أخطار الانهيارات والانفجارات الى حدود تهديد الاستقرار الإقليمي، فيما تقدم الجهة المرتبطة بالمحاور الإقليمية غالباً عروضها تبعاً لتموّجات حسابات الربح والخسارة، ولا هم إن استهلك الفراغ بقايا ما تركته السلطة صنيعة هذه الجهة من أفضال الانهيار العميم على لبنان.
كان السذّج وحدهم يراهنون على مرور "رايق" لأزمة الفراغ الجديد، قصيراً كان أو طويلاً أو متوسط العمر، وفق التكهنات الحصيفة التي يطلقها الأنبياء الكذبة الاستراتيجيون الذين يملأون الشاشات الفائضة بالقرائح المتوهجة هذه الأيام. ولكن هذا الظن الساذج سرعان ما أحبطته وخذلته تلك الاستفاقة المباركة للسيد حسن نصرالله على حنين سريع جداً وتلهّف محموم على شريكيه وحليفيه السابقين إميل لحود وميشال عون كأنه ضاق ذرعاً بسياسات تحمل ظواهر مرنة غير اعتيادية في سلوكيات حاول "حزب الله" التخفي وراءها في المراحل السابقة للفراغ ومواكبة لانطلاقته ولكنه لم يقو طويلاً على تحمّل تبعاتها!
أن يطرح السيد نصرالله معادلته "الصادقة" على نحو "الوعد الصادق" في شأن استحضار العهدين الحليفين الأكثر التصاقاً وتبعية له ولمحوره الممانع فهذه ذروة الإفصاح العلني عن حقيقة أهداف الحزب، ولعل أفضل ما فيها أنها تسقط الغشاوات عن عيون الداخل والخارج سواء بسواء عمّا يخطط له الحزب مع مجموعة حلفائه من جراء نصب الكمائن للاستحقاق الرئاسي والمضيً قدماً في تطويل الفراغ خلافاً لمزاعمهم.
لا ندري ما إن كان الداخل والخارج استشعرا الخطورة الطارئة في كشف الحزب عن أهدافه في إعادة السيطرة السياسية عبر عهد موالٍ له تماماً فيما ذهب بعض هذا الداخل والخارج بعيداً في الرهان على مرونة تترجم في تسهيل الاستحقاق الدستوري أسوة بمرونة الحزب حيال الوساطة الأميركية في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ولعل جهات لبنانية عدة لم تكن تنبّهت بعد، الى دلالات أن يبدأ الفراغ الرئاسي وسط اللغو المتصاعد حول عدم نجاح الحزب الحديدي الذي يقطر وراءه كتلاً وأحزاباً تندرج في إطار سطوته، في التوحّد حول مرشح رئاسي "وفيّ" وكامل الولاء الخالص لمحور الممانعة الداخلي – الإقليمي… الى أن جاء كلام السيد الأخير في معرض إنعاشه وجوه الكسالى عن الاستعداد للصدمة التي أعد لها لإعادة النصاب الى معادلة المواجهة السافرة. ليس غريباً أن يتعامل الحزب مع الاستحقاقات الدستورية والسياسية "بتقنية " كمائن سياسية قتالية أسوة بطبيعته القتالية المسلحة. ولكن ما يبدو أنه غاب عن حسابات الحزب في العودة الأخيرة الى افتعال الدخان التصعيدي عبر الهجوم على انتفاضة 17 تشرين أو في الحنين الى استعادة نموذج لحود أو عون أنه نسي الشعار العريض الذي صُمّت آذان اللبنانيين لفرط تكراره من قادة ونواب الحزب نفسه وهو رفض "المرشح الاستفزازي" أو "مرشح التحدّي"! لعل أحداً في الدائرة اللصيقة بالسيد نصرالله لم يلفته الى شهرين أو ثلاثة سبقت خطابه الأخير وفاضت بذاك الشعار إلا إن كانت قيادة الحزب انفصلت نهائياً وقطعاً عن الحقائق التاريخية والواقع المدمّر "وتؤمن" بأن لحود وعون كانا نموذجين للحكم "الرشيد" في ظلّ ما آل إليه لبنان بفضله وفضلهما وأفضال سائر منظومة الممانعة!