كتبت النهار
يبدو أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل اقتنع أو بدأ يميل الى الاقتناع بأن المعاندة ومحاولة إقناع رئيس الجمهورية ميشال عون بالبقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته آخر تشرين الأول المقبل احتجاجاً على رفضهما معاً "السماح" لحكومة نجيب ميقاتي المستقيلة بممارسة صلاحيات رئاسة الدولة في حال تعذر انتخاب رئيس جديد في المهلة التي حدّدها الدستور لذلك، يبدو أنه اقتنع بصعوبة الإقدام على الأمرين والنجاح فيهما في رأي حلفائه بل حليفه الأول "حزب الله". هذا ما يقوله متابعون لبنانيون من قرب للأخير. يضيفون أن باسيل اقتنع أيضاً بأن تكرار الرئيس عون ما فعله بعد تعيينه رئيس حكومة إنتقالية "بتراء" لتعذّر إنتخاب رئيس مكان المنتهية ولايته الرئاسية الشيخ أمين الجميل مثل الاعتصام في قصر الرئاسة ودفع المسيحيين الى إعتصامات شعبية متواصلة في قصر بعبدا دعماً له لن ينجح هذه المرة. واقتنع ثالثاً بأنه سيعجز عن استعمال الشعارات الديماغوجية التي استعملها "الجنرال" في حينه لتجييش المسيحيين ودفعهم الى الوقوف الى جانبه ظالماً أو مظلوماً والوثوق بشعاراته. ذلك أنهم تأكدوا من تخليه يومها عن ثوابت سياسية ووطنية ومسيحية عدّة في أثناء رئاسته الحكومة الإنتقالية بين خريف 1988 وخريف 1990 من أجل إقناع "عدوّه" السوري بترئيسه على دولة لبنان. وتأكدوا أيضاً أن اندفاعه في "حرب تحرير" فاشلة كان الانتقام من هذا العدو. وتأكدوا أيضاً أن تجربته السياسية بعد عودته من المنفى الباريسي وتحقيق مبتغاه الرئاسي عام 2016 كان ثمنهما كبيراً جداً في وجدان المسيحيين الذين خاض الحرب معهم ضد الفلسطينيين والمسلمين أيام قيادة الشيخ بشير الجميل "القوات اللبنانية" الكتائبية مع استمراره في الجيش. ذلك أنه تخلى وبعد إقامته 15 سنة في المنفى الفرنسي وعمله مع أميركا وغيرها لإخراج "المحتل" السوري من لبنان عن عدد من "مبادئه الوطنية" واتجه الى الفريق الذي كان يقاتله من أجل المنصب الذي حلم به طوال حياته وحصل عليه بواسطة هذا الفريق.
أما أسباب إقتناع باسيل بالتسليم بانتهاء الولاية الرئاسية لعمه الرئيس عون فكثيرة. إلا أن أهمها إفهام حليفه الوحيد "حزب الله" إياه أن تجربة 1988 لا يمكن أن تتكرّر. وإذا تكرّرت فإن الفشل سيكون مصيرها. لا يعني ذلك أن عدداً من العونيين لن يشاركوا فيها إذا حصلت، لكنه يعني أنها لن تحظى بالتأييد الشعبي المطلوب والمؤثر مسيحياً ولا بالتعاطف الشعبي المسلم ولا سيما الشيعي منه، علماً أن التعاطف هذا لم يشمل يوماً الشيعة كلهم بل نصفهم على أٌقل تقدير. في اختصار يعني ذلك أن المسيحيين لن يزحفوا كما في عام 1988 الى قصر بعبدا، ولن يزحف معهم هذه المرة الشيعة للحماية. فضلاً عن أن "ثنائية" هؤلاء لن تؤيّد أبداً قراراً يتخذه بالاعتصام في قصر بعبدا بحماية "الجماهير" كما حصل قبل نحو 24 سنة.
للأسباب المذكورة كلها، يضيف المتابعون اللبنانيون أنفسهم لـ"حزب الله" وتحرّكه المتنوّع، وضع النائب باسيل "شوية ماء في نبيذه" كما يقول المثل اللبناني، وربما بدأ يتفهم العواقب السلبية لعدم إنتخاب جديد وفقاً للدستور، ولمحاولة الإستيلاء على السلطة بالقوة الشعبية التي لم تعد موجودة، إذ أن موازين القوى في البلاد تغيّرت والقوى السياسية فيها من رسمية (جيش لبنان) وغير رسمية وجيش "حزب الله" والمقاومة لا يستطيعون السماح بذلك. إذ يكفي البلاد وشعبها أو شعوبها المآسي التي تعيش منذ سنوات بسبب سوء تصرّف وسوء سياسات منظوماتها السياسية المتكاملة رغم اختلافها السياسي والطائفي والمذهبي والمتعاونة رغم ذلك من أجل منع التغيير ومنع إزالة آثار الفساد المتراكم من أجل الاستمرار فيه.
ما مدى صحة التحليل المعلوماتي الطويل أعلاه؟
مصادره لم تخطئ في العادة أو أن أخطاءها لم تكن كثيرة ولا فادحة. وقد تم تداول معلومات في الأسبوعين الماضيين تفيد أن النائب جبران باسيل لا يزال يعتزم الإستمرار في محاولة الحصول على بركة الناخب الإقليمي الكبير الحليف لحليفه "حزب الله" لإنتخابه رئيساً للبنان وذلك من أجل خلافة عمه في قصر بعبدا وهذه المصادر المطلعة عادة على تحركات باسيل تؤكد اقتناعه بأن نسبة إنتخابه رئيساً مرتفعة جداً جداً ولا سيما بعد حصوله على تأييد حليفه "الإقليمي" له وفقاً لما أبلغه الى مجموعة قريبة من "التيار" الذي يترأسه وتقول أنه أسرّ بذلك الى قريبين منه.
ماذا عن المرشح سليمان فرنجية؟ لا شك في أنه أكد جدّية ترشّحه غير الرسمي للرئاسة في برنامج "صار الوقت" التلفزيوني مساء أول من أمس وتأمين تأييد نحو 50 نائب له حتى الآن. لكن المواكبين لحركته في الداخل والخارج يتحدّثون في استمرار عن "هبّة باردة وهبّة ساخنة"