كتبت الجريدة الكويتية :
وسط غياب لأي مؤشر للتوافق على انتخاب رئيس جديد للبنان وإنهاء تعطيل تشكيل الحكومة، استعادت بيروت تجربتها مع شبح الموت في الذكرى الثانية لتفجير المرفأ، دون دخول عناصر تذكيرية بتلك الكارثة التي منعت المعاييرُ السياسية القضاءَ من إنجاز التحقيق فيها، وحجبت الحقيقة عن اللبنانيين وأهالي الضحايا.
وشخَصتْ عيون أهالي المدينة على الشاهد الأوحد على جريمة العصر، كما يصفها اللبنانيون، وتسمَّر القلق في ليالي المدينة؛ أناس خرجوا من منازلهم تحسباً لانهيار صوامع القمح، وهي التي بدأ انهيارها قبل أيام، وأصوات انهيار الصوامع مع سُحب الدخان التي غطّت سماء المدينة قابلة لأن تتكرر يومياً إلى حين الانهيار الكلّي للصوامع المهشمة، هذا جزء من الذاكرة غير القابلة للمحو.
وضجّت شوارع بيروت بتظاهرات وتحركات احتجاجية للمطالبة باستكمال التحقيق. تحقيق لا يزال معطلاً منذ أشهر مديدة، في حين يطالب اللبنانيون بتكليف لجنة تقصي حقائق دولية، وإحالة الملف إلى القضاء الدولي ما دامت المعايير السياسية تمنع القضاء اللبناني من إنجاز التحقيق، وتحجب الحقيقة عن اللبنانيين وأهالي الضحايا.
ولم يمتلك اللبنانيون غير المناجاة والصلوات، فالبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي طالب، خلال ترؤسه قداساً لراحة أنفس ضحايا 4 أغسطس، بالتعويض للمتضررين بانفجار المرفأ، وقال: «نؤمن بقيامة بيروت ومعها لبنان، فيعود بلدنا منارة الشرق، وجامعة الشرق، ومستشفى الشرق، ومصرف الشرق، ووطن التلاقي والحوار بين الحضارات والأديان».
ورفع الراعي «صوت الغضب في وجه كل المسؤولين أيّاً كانوا وأينما كانوا ومهما كانوا، أولئك الذين يعرقلون التحقيق كأنّ ما جرى مجرّد حادث تافه وعابر لا يستحق التوقف عنده، ويمكن معالجته بالهروب أو بتسوية أو مقايضة كما يفعلون عادةً في السياسة»، معتبراً «أننا اليوم أمام جريمتين؛ جريمة تفجير المرفأ، وجريمة تجميد التحقيق، فالتجميد لا يقلّ فداحةً عن التفجير، لأنّه فعلٌ متعمّد وإراديّ بلغ حدّ زرع الفتنة بين أهالي الضحايا».
ومن جهته، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، إنّ «المسؤولين مشغولون بأنفسهم»، واعتبر أنّ «مقترفي الجريمة ما زالوا يتمتّعون بحريتهم، في حين يعاني أهل بيروت، وسنتان ولم يتوصّل القضاء إلى كشف الحقيقة، لأنّ السطوة السياسية تعوق عمله وتمنع العدالة»، مطالباً بخروج المسؤولين من «أنانيتهم وليتجاوزوا كبرياءهم، وليُفرجوا عن التحقيق بانفجار المرفأ، عوضاً عن تعطيله لتظهر الحقيقة ويُعاقَب الفاعل».
وبينما توالت المواقف حول الجريمة، استمرت مناوشات القوى السياسية على ملفات متعددة، أبرزها خلاف رئيسَي الجمهورية ميشال عون والوزراء نجيب ميقاتي بسبب تعطيل تشكيل الحكومة، قبل 3 أسابيع من الدخول في الفترة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وسط غياب أي مؤشر من مؤشرات التوافق، واستمرار الانقسام عمودياً حتى الآن، ما دامت القوى السياسية لم تبحث عن شخصية تحظى بموافقة الجميع.
وفي هذا السياق، برزت زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور للبنان، وعقده سلسلة لقاءات مع عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبينما كان من المعروف أن اسم الوزير السابق جهاد أزعور طرح من بعض الأوساط مرشحاً للرئاسة، كان لافتاً اجتماع الرئيس ميقاتي مع النواب السّنة لبحث الملف الرئاسي، واستعراض ما يجب على السُّنة القيام به لتوحيد مواقفهم، في حين كان هناك جو واضح لدى ميقاتي بدعم النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، وهو أمر يحظى بمعارضة قوى سياسية متعددة، وقوى خارجية تعتبر أنه لا بد من الذهاب إلى اختيار شخصيات جديدة من خارج التجربة السياسية، وهذا موقف تؤكده مصادر دبلوماسية غربية وعربية تقول، إن لبنان لن يحصل على أي مساعدات إذا استمرت إدارة اللعبة السياسية كما كانت سابقاً