ابرز ما تناولته صحف اليوم الاربعاء ١٠ آب ٢٠٢٢


كتبت الراي الكويتية :

ثمة مسلّمة يبدو أن القوى السياسية اللبنانية تتعاطى انطلاقاً منها مع ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وهي أن هذا الاستحقاق لن يتم في موعده. ولذا يحاذر الجميع كشْف أوراقهم مبكراً، حيث أن أحداً لم يُظْهِر بعد أي ملامح جدية في خوض معركة الرئاسة، لا أسماء ولا ترشيحات ولا تحديد مواعيد لجلسات الانتخاب.

وعلى بعد 3 أسابيع من بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد، دخل ثلاثة أفرقاء، كل من اتجاه مختلف، على «الخط الرئاسي» هم بكركي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع

تخوض بكركي معركة فرض الاستحقاق في موعده الدستوري وعدم السماح بتكرار تجربة الفراغ الرئاسي مرة جديدة، فيما يُقارِب جعجع وجنبلاط المعركةَ الرئاسية من زاوية مختلفة.

جنبلاط سارع قبل أيام قليلة إلى فتْح ملف الرئاسة من منطلق تحديد مواصفات الرئيس المقبل، مسمّياً تحديداً الرئيس الياس سركيس الذي انتُخب عام 1976 خلَفاً للرئيس سليمان فرنجية وأدار أشد أزمات لبنان قسوة مع بداية الحرب اللبنانية وصولاً الى انتخاب الرئيس بشير الجميل ومن ثم الرئيس أمين الجميل.

وجنبلاط الذي لم يوافق على الإتيان بالرئيس الحالي العماد ميشال عون، لا يزال حذراً في مقاربة الملف الرئاسي وسط خطوطٍ بدأ ينسجها مع حزب الله، لجسّ النبض حول الاستحقاق الرئاسي.

لم يُعْطِ جنبلاط كلمته لأيٍّ من حلفائه ولا خصومه، وهو في ظل سجاله الأخير مع القوات اللبنانية، لم يفتح البابَ أمام احتمالات خوض معركة موحّدة بعد لاختيار رئيس يمثل طرفاً سياسياً بالمعنى الذي خيضت فيه المعركة مع جعجع قبل تسوية انتخاب عون.

بتحديد جنبلاط مواصفات الرئيس على مثال سركيس يعني أنه اعتمد مسبقاً فرضية الرئيس الحيادي أو الوسطي أو المستقلّ، رغم أن الكلمة الأخيرة مطاطة لتعذُّر وجود مستقلّين فعليين من المرشّحين الموارنة. لكن أزمة جنبلاط لا تكمن فقط في استعادة حرارة العلاقة مع «القوات» والاتفاق على حد أدنى من وجهات النظر، بل انه كذلك ينتظر موقف حزب الله النهائي. فالحزب الذي أعطى إشارة تريُّث في الرئاسيات لم يحدد موقفاً واضحاً من أي المرشّحين المحتمَلين الذين يؤيدهم، وهذا من شأنه أن يربك جنبلاط.

فرئيس «التقدمي» الذي اعتاد التنسيق مع الرئيس نبيه بري في استحقاقات على هذا المستوى من الأهمية، لن يغامر اليوم في ظل صورة مبهمة للواقع المحلي وتحالفاتٍ هجينة أنْتجها المجلس النيابي الجديد، بأن يخوض معركة في وجه «حزب الله»، وخصوصاً أن جنبلاط كغيره من القوى السياسية متخوّف من أن يطير الاستحقاق، وتالياً ليس من الضرورة خوض معركة مجانية مع الحزب، إن لم تكن ستفضي الى انتخابات في موعدها.

في المقابل بدأت أولى إشارات التنسيق بين معارضي حزب الله، من بينها الكتائب والمستقلون والقوى التغييرية. وثمة كلام عن مساعٍ لتوسيع مروحة الاتصالات وقيام لجنة تنسيقية مع هؤلاء والقوات اللبنانية والاشتراكي، على اعتبار أن الكتل النيابية المذكورة وعلى اختلاف توازناتها وعدد مقاعدها تدرك أن أياً منها لن يتمكن من خوض معركة الرئاسة منفرداً. لكن الغطاء الجامع لهؤلاء لا يزال غير موحّد، لأن لكل فريق نظرته الى الانتخابات الرئاسية والهدف منها والهوية السياسية للمرشح الرئاسي. ومن بين هؤلاء القوات اللبنانية، ولذا كان موقف جعجع قبل أيام معبّراً في الدخول بدوره على الملف الرئاسي من زاوية تحديد المواصفات، وتوجيه رسالة إنذار مبكرة الى القوى الخارجية والمحلية.

خارجياً، أثار جعجع في صورة غير مباشرة ما تقوم به فرنسا في وجه خاص حول تسويق جوِّ تحضيرٍ لرئيس من خارج النادي السياسي بمعنى الاصطفاف الحالي، بين حزب الله ومعارضيه والذهاب الى خيار بروفيل مالي واقتصادي. يحاول جعجع استباق الأمور مع باريس وسعيها منذ انفجار الرابع من اغسطس 2020 الى طرح مبادرات اصطدمت بحائط مسدود، لكنها في الوقت نفسه عاودت تعويم حزب الله. ولذا أصرّ جعجع على اعتبار نفسه مرشحاً طبيعياً، أي أنه أراد إمساك الانتخابات من الزاوية السياسية البحت.

وجعجع الذي زار بكركي ويقوم بتنسيق دائم معها، يحاول في الوقت ذاته أن يقول للقوى السياسية المُعارِضة للحزب إنه لا يزال يمثل الكتلة الأكبر عدداً، لكنه يعرف أن جواً عدائياً للقوات يدور في القوى التغييرية التي تَعتبر أن القوات جزء من النظام الذي خاضت هذه القوى المعركة ضده. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن داخل القوى التغيريية مرشحون افتراضيون لرئاسة الجمهورية، مثل ميشال دويهي، وبين المستقلين مرشحون افتراضيون كذلك، مثل النواب نعمت افرام وميشال معوض وسامي الجميل، فكيف يمكن الاتفاق بين هؤلاء المرشحين وبين القوات، التي سيكون رئيسها مرشحها الطبيعي، على اسم تخاض فيه معركة رئاسة الجمهورية؟ علماً أن جعجع مصرّ على الانفتاح على هذه القوى وحدّد معركته بتأمين الأصوات اللازمة لاختيار الرئيس الجديد. لكن ما يفرّق الطرفين كثيرٌ وما حصل في انتخابات رئاسة البرلمان ونيابتها مؤشّر لِما يمكن أن يحصل. إلا إذا كانت القوى التغييرية استوعبت خطورة ما حصل حينها وتريد اليوم معاودة إمساك العصا من نصفها بين خياريْن، مرشّح حزب الله أو مرشّح مُعارِض له.