كتبت النهار
كثر في الآونة الاخيرة استعمال عبارة اجراء "تعديل وزاري" على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة عقب اجراء الانتخابات النيابية. ويُقصد بالتعديل هنا الاطار السياسي وليس القانوني، أي بمعنى انه لو تم الابقاء على تشكيلة حكومة تصريف الاعمال بكاملها او استبدال وزير واحد فلا مفر من صدور مراسيم حكومة جديدة تحصل على توقيع الرئيس المكلف والرئيس ميشال عون. ولا تصبح هذه الحكومة كاملة الأوصاف الا بحصولها على ثقة مجلس النواب.
هذا في القانون، اما في المقلب السياسي فقد جرى الحديث عن ابقاء العدد الاكبر من الوزراء الحاليين واستبدال مجموعة منهم في مقدمهم الوزراء السنّة: الاقتصاد أمين سلام والصحة فراس الأبيض والداخلية بسام مولوي، فضلا عن الوزيرين المسيحيين للطاقة وليد فياض والخارجية عبدالله بوحبيب، الى الوزير الدرزي عصام شرف الدين المحسوب على النائب السابق طلال ارسلان. ولم يتبلغ اي من هؤلاء بهذا الاتجاه سوى ما يدور في صالونات السياسيين ووسائل الاعلام لا أكثر. وبغضّ النظر عن الاسباب التي قد تؤدي الى تأليف الحكومة او عدم التأليف، ثمة مجموعة من الاسباب التي قد تدفع الافرقاء المعنيين الى اجراء مثل هذا التعديل الذي سيستهدف في الدرجة الاولى الوزير فياض الذي لم يتمكن من صناعة "الوئام الكهربائي" بين ميقاتي والنائب جبران باسيل.
وما زالت خطة الكهرباء تتدحرج على ملعب الخلافات المفتوحة بين الافرقاء بعد "قصة سلعاتا" التي تساوي عند العونيين السد العالي في مصر أو مفاعلا نوويا ينتظر اللمسات الاخيرة.
ولطالما عبّر ميقاتي في الاشهر الاخيرة عن عدم رضاه على فياض الذي لم ينقصه الا تلقّي جملة من الانتقادات من باسيل، فوقع الرجل بين تحديين ورأيين مختلفين حيال تلك الخطة الموعودة. ولا يصدق فياض اللحظة التي يغادر فيها مكتبه ليسلم وديعة الطاقة الى خلفه، وهو لم يقدر على الدفاع عما قام به من محاولات في وزارته التي لا يبدو ان العونيين سيتخلون عنها، ولا سيما اذا حان موعد توقيع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية في الجنوب بين لبنان واسرائيل، مع هبوب رياح تدعو الى الايجابية من طرف الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين. اما الوزير بوحبيب فقد تمكن من الحفاظ على الحد الادنى من العلاقة المقبولة حيال ملفات وزارة الخارجية بين عون وميقاتي، لكنه يريد التوجه نحو التقاعد بعدما وصل الى رئاسة الديبلوماسية اللبنانية. ولن يكون حزينا اذا لم يقرأ اسمه في التشكيلة المقبلة. ولم يُعرف بعد مصير الوزراء المسيحيين الآخرين الذي تمت تسميتهم بـ"مباركة عونية" لكنهم لم يقعوا في خلافات مع ميقاتي.
اما في الجانب السنّي فيبدو ان التغيير سيطاول أكثرية الوزراء لاسباب تعود الى اداء كل منهم، فضلاً عن اخذ التبدل الذي طرأ على توزيع الخريطة النيابية السنية في الاعتبار. ومن غير المستغرب ان يستهدف التعديل الاول الوزير سلام الذي كان يطمح لرئاسة الحكومة بعد"اغراء" تلقاه من باسيل، ولم يتوقف عند هذه الحدود بل عمد الى انتقاد خطة التعافي التي وضعتها الحكومة ضارباً عرض الحائط التضامن الوزاري وهو غارق في "مستنقع الطحين" تحت أعين مافيات وسمسرات لم ينقصها الا التلاعب برغيف الخبز!
ويبدو ان التعديل سيشمل الوزير الابيض ايضا. كما جرى تداول اسم مولوي وعدم توزيره في الحكومة المقبلة. ولم تصدر عنه اي اشارة الى انه يريد الحلول في السرايا إذ يعرف حجمه. كذلك لم يصدر منه الا كل كلام ايجابي حيال ميقاتي على عكس سلام الطامح للحلول في السرايا. ويتحدث مولوي بأنه قام بالواجبات المطلوبة منه وعلى رأسها اجراء الانتخابات النيابية رغم كل التحديات التي كانت قائمة. وهوعلى استعداد لخدمة البلد في اي موقع يحل فيه. ومن هنا سيأخذ ميقاتي في الحسبان تمثيل كتلة "الاعتدال الوطني" التي سمّته منذ اليوم الاول حيث لا يمكنه اتمام تشكيلته من دون ان تتضمن اسماً من عكار.
اما في البيت الدرزي فلا يمانع ميقاتي بالطبع في الابقاء على وزير التربية عباس الحلبي الذي اثبت قدرته على تجاوز الالغام بعيداً من ازمات ملفات حقيبته وتمكن من التوفيق بين ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وعند وصول الرئيس المكلف في تشكيلته الى الاسم الدرزي الثاني سيعمد الى استبدال شرف الدين والاتيان بشبيه للحلبي للتأكيد ان مشكلة "اللقاء الديموقراطي" ليست مع ميقاتي بل مع عون و"حزب الله" مع تصميم جنبلاط على عدم المشاركة لكنه ينتظر مضمون البيان الوزاري ليبني على الشيء مقتضاه رغم معرفته بصعوبة الافراج عن تشكيلة حكومية جديدة من بعبدا.
ويبقى ثنائي "حزب الله" و"أمل" على خياراته الداعمة لميقاتي في اي توجه حكومي يختاره لانبلاج تشكيلته، وهما لا يعارضان الابقاء على ممثليهما في حكومة تصريف الاعمال.