“الدولار” و”الأسعار” يجفّفون المساعدة الاجتماعية وتواطؤ حكومي – مصرفي لتطيّيرها القطاع العام يلوح بالتصعيد.. فهل تستبق الحكومة انفجار الشارع؟
محمد حمية-احوال
تبخّرت المساعدة الاجتماعية التي أقرها مجلس الوزراء لموظفي القطاع العام، قبل أن تُصرف في جيوب الموظفين.. فنصف راتب شهر الذي وعدوا به رغم قيمته المتواضعة، أصبح “فتاتا” بعدما فقدت الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والارتفاع التدريجي الدراماتيكي لأسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية كالخبز والدجاج واللحوم ومشتقاتها، إثر ارتفاع سعر النفط العالمي فور بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، الأمر الذي جفف هذه المساعدة.
بيد أن هذه المساعدة تحولت الى حبرٍ على ورق، بعدما أعلنت جمعية المصارف في بيان أمس أنها “لن تدفع كامل قيمة المساعدة الاجتماعية للموظفين في القطاع العام، وإنما ستلتزم بإعلام مصرف لبنان الذي أعلن أنه سيغطي 60% فقط من قيمة المساعدة، وبالتالي فإن المصارف ستدفع 60% فقط من هذه المساعدة الاجتماعية”.
فالمعونة المُخصّصة للموظفين، يبدو أنها دخلت في دائرة سوء التنسيق والخلاف وتبادل المسؤوليات وتضارب الحسابات والمصالح بين الحكومة ومصرف لبنان وقطاع المصارف، الذي يرمي الكرة في ملعب مصرف لبنان الذي سبق بدوره وأبلغ الحكومة والمصارف أنه سيدفع 60 في المئة فقط من قيمة المساعدة، ما يعني أن “المركزي” لن يحول الى المصارف المبلغ الكامل لتغطية قيمة هذه المساعدة التي تعادل نصف راتب إضافي شهرياً مع حدّ أدنى 1.5 مليون ليرة وحدّ أقصى عند 3 ملايين ليرة.
السؤال المنطقي: كيف أقرت الحكومة هذه المساعدة قبل التأكد من قدرتها على تأمين المبلغ المطلوب؟ هل كان الهدف “رشوة الموظفين” لشراء صمتهم لتمرير الموازنة وكسب أصواتهم في الانتخابات النيابية؟ ومن أين ستؤمن الحكومة مبلغ الـ 40 في المئة من المساعدة؟ هل عبر البطاقة المصرفية والشيكات كما طالبت جمعية المصارف في بيانها؟ كيف سيتم ذلك في ظل توقف معظم محطات الوقود و”السوبرماركات” عن استخدام هذه البطاقة؟
في عملية حسابية بسيطة، فإن 60 في المئة من نصف راتب موظف يتقاضى مليوني ليرة، يساوي 600 ألف ليرة لبنانية، أي ما يوازي صفيحة بنزين في حال ارتفع سعر صرف الدولار الى 25 ألف ليرة، ما يجعل المساعدة التي منّت الحكومة النفس بمنحها للموظفين، تكاد لا تساوي كلفة انتقال الموظف من منزله الى المصرف لتقاضيها، مع عناء الانتظار على شبابيك المصرف! فالحكومة تعطي بيد وتحاول باليد الأخرى سلب ما أعطته.
مصادر مصرفية توضح لـ”أحوال” أن “مصرف لبنان يزود المصارف بالدولار الاميركي بدل الليرة منذ اصدار التعميم 161، والمصارف تضطر لشراء الليرة اللبنانية من السوق وممن لديهم سيولة بالليرة، مثل الشركات والسوبرماركت، الذين يفرضون عمولة تبلغ 20 في المئة على المبالغ بالليرة التي تبيعها للمصارف، ذلك أن المصارف تستطيع إعطاء السيولة بالليرة التي يؤمنها لها مصرف لبنان. وفي هذه الحالة تشكل 60 في المئة من المساعدات الاجتماعية لموظفي وعمال القطاع العام التي قرر مصرف لبنان تغطيتها”.
قرار جمعية المصارف استدرج ردود فعل غاضبة لدى الموظفين في مختلف القطاعات العامة الذين لوحوا بالاضراب والتصعيد في الشارع للضغط على الحكومة للالتزام بوعودها وقراراتها، لا سيما وأن المساعدة لم تعد “محرزة” كما تعبر أوساط الموظفين وفقدت قيمتها بعد الارتفاع الأخير بالأسعار، الأمر الذي سيشُل عمل الادارات والمؤسسات العامة الى حد العصيان المدني، وسيزيد نسبة الفقر لدى هذا القطاع الذي كان أول من دفع ثمن انهيار العملة الوطنية وتدني القيمة الشرائية للرواتب.
وتحمل الأوساط ثلاثي وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف مسؤولية التلاعب بلقمة عيشهم وتهديد أمنهم الاجتماعي.
فهل تسارع الحكومة الى ايجاد الحل وتحتوي غضب الموظفين قبل انفجار الشارع؟
تكشف مصادر مالية لـ”أحوال” عن تواطؤ بين رئيس الحكومة ووزير المالية وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف، لتجويف قيمة المساعدة الاجتماعية، بينما تشير مصادر أخرى الى أن فريق رئيس الحكومة يبحث عن تخريجة للتراجع عن هذه المساعدة وتطييرها، لأسباب عدة ؛الأول أنها ترهق الخزينة التي تعاني أصلا من الافلاس، فكيف ستدفع هذا المبلغ. وتضيف المصادر أن فريق رئيس الحكومة يعمل على ربط دفع هذه المساعدة برفع الدولار الجمركي في الموازنة لانعاش الخزينة لكي تتمكن من تغطية نفقات الدولة المتعددة.
أما السبب الثاني فهو رفض صندوق النقد الدولي لأي انفاق عام اضافي، لا سيما على القطاع العام، ويطلب الصندوق في الاصل ترشيد هذا القطاع عبر خفض حجمه وخفض رواتب الموظفين ومخصصاتهم وتعويضاتهم.
في المقابل، رجحت مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لموقعنا أن يصار الى معالجة مثلثة للأزمة المستجدة من الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف لصرف قيمة المساعدة كاملة للموظفين.