دق ناقوس الخطر.. الأزمة الاقتصادية تحول بيروت لمكب نفايات وتحصار السكان من كل جانب.. واقع بيئي خطير وانتشار للحشرات والقوارض وشركات الجمع ترفع الراية البيضاء

بيروت/ نعيم برجاوي

بات المواطنون في شوارع بيروت وضواحيها محاصرون بأكوام النفايات، ما يزيد من مأساة هذا البلد الغارق في أزمات اقتصادية.ومنذ أيام، تتكدس النفايات بين المنازل وأمام المدارس في العاصمة اللبنانية، في مشهد يعكس جزءا من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد.وتعجز الشركات المتعهدة جمع النفايات عن القيام بدورها، بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف التشغيل التي أصبحت باهظة جداً إثر الانهيار المالي في البلاد.ومنذ عام 2017، تتولى شركتان عملية كنس وجمع النفايات في العاصمة بيروت والأقضية المجاورة لها، بناء على عقود موقعة مع الحكومة اللبنانية لمدة 7 سنوات.

 كارثة صحية وشيكة

تكدس النفايات بدأ يقلق المواطنين حيال الواقع البيئي المتردي، خصوصا أن بعضهم بدأ يلاحظ تكاثراً للقوارض والحشرات في المناطق السكنية، ما ينذر بكارثة صحية وشيكة.يشكو سمير، مواطن يقطن العاصمة بيروت، من تكدس النفايات في الأحياء السكنية، خصوصاً بين البيوت والمدارس، وما لذلك من ضرر صحي على السكان.ويقول لـ “الأناضول” إنه “لا يمكن لأحد العيش في ظروف بيئية متردية كهذه”، مضيفاً أن “الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات لا تُحتمل”.ويشير إلى أن حاويات القمامة لم تعد تستوعب كميات إضافية، بسبب عدم إفراغها من جانب الشركات المتعهدة منذ أيام.

 تكاثر القوارض والحشرات

“النفايات تجتاح كل مكان”، هذا ما يقوله شادي، مواطن بيروتي، الذي أشار إلى أنه بدأ يلاحظ تكاثر القوارض والحشرات بشكل كبير بسبب هذه الأزمة.ويضيف أن “هذا الواقع المرير يؤثر على صحة الناس والبيئة، وما يحصل كارثة على صعيد بيروت وكل لبنان”.أما “أبو زهير”، مواطن بيروتي آخر، فيعتبر أن هذه الأزمة تتحمل مسؤوليتها الحكومتين السابقة والحالية، محذراً من أخطارها على صحة المواطنين.ويقول إن النفايات تتجمع على جوانب الطرقات والأحياء المكتظة بالسكان وقرب المدارس، حيث يتعرض آلاف المواطنين للانبعاثات والتلوث.

صعوبات مالية تواجه الشركات المتعهدة

هذا الواقع هو إحدى نتائج الأزمة الاقتصادية التي جعلت الشركات المتعهدة تتكبد تكاليف باهظة، فيما انهارت قيمة المستحقات المالية التي تتقاضاها من الدولة، بحسب ما يقول رئيس نقابة مقاولي الأشغال اللبنانية مارون الحلو.ويقول الحلو لـ “الأناضول” إن الشركات المتعهدة برفع النفايات تعمل بوتيرة منخفضة جداً، تقدر بنحو 25 في المئة فقط من طاقتها، جراء وقوعها في صعوبات مالية.ولذلك تشهد شوارع بيروت والمناطق أخرى تكدساً للنفايات، بحسب الحلو الذي يحذر من مشكلة بيئية قد تواجه المجتمع اللبناني إذا استمر الوضع على هذه الحال.ويعاني لبنان منذ أكثر من عامين أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي واحدةً من بين أسوأ 3 أزمات اقتصادية بالعالم، أدت إلى هبوط قياسي بقيمة العملة المحلية مقابل الدولار.


العقود وفق سعر الصرف الرسمي

ويشرح الحلو أنه وفقاً للعقود الموقعة مع الحكومة، فإن تلك الشركات ما زالت تتقاضى مستحقاتها المالية من الحكومة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار البالغ 1510 ليرة، بينما سعر الصرف في السوق الموازية يبلغ نحو 21 ألف ليرة.ويوضح أن الشركات تشتري المعدات وقطع الغيار بالدولار النقدي أو ما يعادله بالليرة، وفق سعر الصرف في السوق الموازية، بينما تتقاضى الأموال من الدولة وفق سعر الصرف الرسمي.هذا الفارق جعل الشركات تتكبد تكاليف إضافية بنحو 6 أضعاف عما كانت عليه قبيل الأزمة، فضلاً عن أعباء إضافية تتمثل في ارتفاع أجور العمال، وأسعار المحروقات.ويحذر الحلو من أن على الحكومة إيجاد حل سريع كي لا تتفاقم الأزمة، وتتوقف الشركات المتعهدة كلياً عن العمل سواء المكلفة جمع النفايات أو المشغلة لمحطات تكرير مياه الصرف الصحي.بدوره، يرى محافظ بيروت، مروان عبود، أن الأمر يحتاج الى تدخل مجلس الوزراء لإيجاد الحلول الجذرية، لكن البلدية تحاول التخفيف من حدة هذه الأزمة.ويقول لـ “الأناضول”: “نحاول مساعدة الشركات المكلفة برفع النفايات من خلال توفير بدل مالي لتغطية نسبة من أسعار المحروقات وبعض التكاليف”.أما الحل الجذري، فـ “يعود إلى مجلس الوزراء من أجل تعديل العقود الموقعة مع الشركتين بما يكفل تعديل الأسعار”، وفق عبود.ويضيف: “نحاول قدر الإمكان إبقاء بيروت نظيفة”، مشيرا إلى أن الأزمة التي ظهرت مؤخراً تعود جذورها إلى أكثر من عام بسبب الانهيار المالي.الحكومة بحثت قبل نحو أسبوعين، في اجتماع طارئ، إمكانية مساعدة الشركتين وتلبية مطالبهما من خلال تعديل العقود لمواجهة العجز المالي، لكن من دون التوصل إلى نتيجة.‎أما لجنة الأشغال العامة البرلمانية، فأوصت الحكومة بإنهاء العقود القديمة مع الشركات المتعهدة، وإبرام عقود جديدة من أجل حسن سير الاعمال في البنى التحتية ومن بينها قطاع النفايات.وإلى جانب الأزمة المالية، تتوالى الأزمات السياسية على لبنان، آخرها أزمة دبلوماسية مع السعودية، إذ توقع خبراء أن تؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، وسبق تلك الأزمة خلاف بين أفرقاء سياسيين حول التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، أدى الى تعليق اجتماعات مجلس الوزراء.

(الأناضول)